الْمُسْلِمِينَ وَإِهَانَتُهُمْ وَالتَّمَكُّنُ مِنْ إذَايَتِهِمْ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] ، وَمِنْهَا مَا يَخْشَى أَنَّهُمْ يَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْهُمْ، وَمِنْهَا رُبَّمَا أَطْعَمُوهُمْ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَمِنْهَا أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ الْوَاجِبَاتِ، وَمِنْهَا مَا يُخْشَى مِنْ وَطْءِ الْإِمَاءِ، فَإِنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فُسِخَتْ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ أَنَّ إجَارَةَ الْمُسْلِمِ نَفْسَهُ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: جَائِزَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَمَحْظُورَةٌ وَحَرَامٌ، فَالْجَائِزُ لَأَنْ يَعْمَلَ لَهُ الْمُسْلِمُ عَمَلًا فِي بَيْتِ نَفْسِهِ كَالصَّانِعِ الَّذِي يَعْمَلُ لِلنَّاسِ وَالْمَكْرُوهَةُ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِجَمِيعِ عَمَلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ يَدِهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مُقَارِضًا، أَوْ مُسَاقِيًا وَالْمَحْظُورَةُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ يَكُونُ فِيهِ تَحْتَ يَدِهِ كَأَجِيرِ الْخِدْمَةِ فِي بَيْتِهِ وَإِجَارَةِ الْمَرْأَةِ لِتُرْضِعَ لَهُ ابْنَتَهُ فِي بَيْتِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَذِهِ تُفْسَخُ إنْ عُثِرَ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَاتَتْ مَضَتْ، وَكَانَتْ لَهَا الْأُجْرَةُ، وَالْحَرَامُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ مِنْهُ فِيمَا لَا يَحِلُّ مِنْ عَمَلِ الْخَمْرِ، أَوْ رَعْي الْخَنَازِيرِ فَهَذَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْعَمَلِ، فَإِنْ فَاتَ تَصَدَّقَ بِالْأُجْرَةِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي إجَارَةِ الْحُرِّ نَفْسِهِ، فَكَيْفَ فِي إجَارَةِ الْعَبْدِ فَلَا شَكَّ أَنَّ إجَارَةَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ إذَا كَانَ يَغِيبُ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ لَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ وَيُؤَدَّبُ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُؤَجِّرُ أَدَبًا يَلِيقُ بِحَالِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَبِنَاءُ مَسْجِدٍ لِلْكِرَاءِ)
ش: قَالَ فِي التَّهْذِيبِ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ، أَوْ يُكْرِي بَيْتَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ فِي الْبَيْتِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ آجَرَ بَيْتَهُ لِقَوْمٍ لِيُصَلُّوا فِيهِ رَمَضَانَ لَمْ يُعْجِبْنِي ذَلِكَ كَمَنْ أَكْرَى الْمَسْجِدَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي كِرَاءِ الْبَيْتِ انْتَهَى.
وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ لَفْظَ التَّهْذِيبِ مَعَ زِيَادَةٍ، وَنَصُّهُ: وَفِيهَا، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ، وَلَا بَيْتَهُ وَإِجَارَتُهُمَا لِذَلِكَ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ فِي الْبَيْتِ عِيَاضٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ اللَّخْمِيُّ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ جَازَ (قُلْت:) اقْتِصَارُهُ عَلَى هَذَا دُونَ ذِكْرِ قَوْلِهَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُ صَوَابٍ، وَإِنْ وَافَقَ مَفْهُومَ نَقْلِ الصَّقَلِّيِّ عَنْ سَحْنُونٍ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ كِرَاءُ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ حَبْسٌ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُكْرَى، وَالْبَيْتُ لَيْسَ مِثْلَهُ، وَكِرَاؤُهُ جَائِزٌ اللَّخْمِيُّ إنْ أَكْرَى بَيْتَهُ، أَوْ دَارِهِ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِمَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَقَطْ كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، فَإِنْ نَزَلَ مَضَى، وَإِنْ أَخْلَى الْبَيْتَ وَسَلَّمَهُ جَازَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ: مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ جَازَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ لِيُكْرِيَهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ بَعِيدٌ انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: قَوْلُهُ: فِي الرَّجُلِ يَبْنِي مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ جَازَ وَكَرَاهِيَتُهُ لَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي آجَرَ بَيْتَهُ مِنْ قَوْمٍ لِيُصَلُّوا فِيهِ فَلَا يُعْجِبُنِي، وَهُوَ كَمَنْ أَكْرَى الْمَسْجِدَ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ فِي الْبَيْتِ لَا بَأْسَ بِاسْتِئْجَارِهِ يُصَلَّى فِيهِ، وَإِجَازَتُهُ كِرَاءَ الدَّارِ عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَرْقٌ، وَأَمَّا الَّذِي بَنَى مَسْجِدًا فَأَكْرَاهُ فَلَوْ أَبَاحَهُ لِلْمُسْلِمِينَ لَكَانَ حَبْسًا لَا حُكْمَ فِيهِ لَهُ، وَلَا لِأَحَدٍ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُبِحْهُ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكْتَرِيَهُ فَلَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي كِرَاءِ الْمَسْجِدِ: لَا يَصْلُحُ، وَفِي كِرَاءِ الْبَيْتِ: لَا يُعْجِبُنِي، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ كَمَا أَجَازَ إجَارَةَ الْمُصْحَفِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَأَفْعَالِ أَهْلِ الدِّينِ، وَهَذَا مَعْنَى مَنْعِ مُحَمَّدٍ عِنْدِي لِإِجَارَةِ الْمُصْحَفِ انْتَهَى.
، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ وَانْظُرْ قَوْلَهُ: لَا يَصْلُحُ هَلْ هُوَ عَلَى الْكَرَاهَةِ، أَوْ عَلَى الْمَنْعِ، فَعَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ هُوَ عَلَى الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ حَبْسٌ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُكْرَى، وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ لِعِيَاضٍ هُوَ عَلَى الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ هُوَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ انْتَهَى.
يُشِيرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ زِيَادَةُ ابْنِ عَرَفَةَ وَثَبَتَتْ عِنْدَ ابْنِ نَاجِي فَقَالَ: قَوْلُهُ: لَا يَصْلُحُ عَلَى التَّحْرِيمِ لِزِيَادَتِهِ فِيهَا، وَإِجَارَتُهُمَا