الْبَعِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْإِجَارَةِ مِنْ الْمَعُونَةِ فَصْلٌ: يَجُوزُ لِلْمُؤَاجِرِ أَنْ يَبِيعَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَغَيْرِهِ إنْ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ مَا لَا يَكُونُ غَرَرًا يَخَافُ تَغَيُّرَهَا فِي مِثْلِهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلِأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي بَيْعِهَا إبْطَالُ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا يَتَسَلَّمُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الْإِجَارَةِ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يُمْنَعُ أَصْلُهُ إذَا بَاعَ أَمَةً قَدْ زَوَّجَهَا، وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا: وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ مُسْتَأْجِرِهَا وَغَيْرِهِ، وَالْمَنْفَعَةُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إلَى انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ وَلِلْمُؤَجِّرِ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ، وَفِي جَهْلِ الْمُشْتَرِي الْإِجَارَةَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي الْقَوَانِينِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْأَرْضِ وَالرِّبَاعِ الْمُكْتَرَاةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَلَا يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ، وَيَكُونُ وَاجِبُ الْكِرَاءِ فِي بَقِيَّةِ أَمَدِ الْكِرَاءِ لِلْبَائِعِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الرِّبَا إلَّا إنْ كَانَ الْبَيْعُ بِعُرُوضٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْأَرْضَ مُكْتَرَاةٌ فَذَلِكَ عَيْبٌ، وَلَهُ الْقِيَامُ بِهِ انْتَهَى.
وَفِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْجَلَّابِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا مُدَّةً مَعْلُومَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ مُكْتَرِيهَا قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعْلَمَهُ بِالْإِجَارَةِ، فَإِنْ بَاعَهَا مِنْهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْإِجَارَةِ فَهُوَ عَيْبٌ إنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي رَضِيَ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى فَسْخِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَالْأُجْرَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِلْبَائِعِ دُونَ الْمُبْتَاعِ قَالَ التِّلْمِسَانِيُّ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ بَاعَ دَارًا، أَوْ أَرْضًا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ لَا تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْأُجْرَةَ الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا، ثُمَّ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ سَاقَى حَائِطًا، ثُمَّ بَاعَهُ فَالْبَيْعُ مَاضٍ وَالْمُسَاقَاةُ ثَابِتَةٌ لَا يَنْقُضُهُ الْبَيْعُ الْأَبْهَرِيُّ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ لَازِمٌ كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ انْتَهَى.
وَنَحْوُهُ لِلْقَرَافِيِّ، وَفِي أَوَاخِرِ مَسَائِلِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ مَا نَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ ابْنُ عَاتٍ مَنْ أَكُرَى دَارِهِ، ثُمَّ بَاعَهَا فَإِمَّا أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الْمُكْتَرِي، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْكِرَاءِ فَهُوَ عَيْبٌ إنْ شَاءَ رَدَّ، وَإِنْ شَاءَ تَمَاسَكَ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فَلَا رَدَّ لَهُ، وَلَا كِرَاءَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ، وَإِنْ اشْتَرَطَهُ، فَإِنْ وَجَبَ الْكِرَاءُ لِلْبَائِعِ، أَوْ بَعْضُهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَنْعِ إذَا بِيعَتْ الدَّارُ بِذَهَبٍ، وَهُوَ ذَهَبٌ، وَلَا بِالْوَرِقِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ نَقْدًا، أَوْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ مِنْ الْكِرَاءِ عَلَى الْمُكْتَرِي لِلْبَائِعِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَمْضِ مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ، وَإِنْ اشْتَرَطَهُ فِي الْعَقْدِ فَفِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ فَابْنُ رِزْقٍ يُجِيزُهُ وَوَافَقَهُ غَيْرُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ، وَنُسِبَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ لِلْمُبْتَاعِ اشْتَرَطَهُ أَمْ لَا؟ وَأَمَّا إنْ بَاعَهَا مِنْ الْمُكْتَرِي، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو عِمْرَانَ: هُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ فَسْخٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكِرَاءِ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ فِي قَوْلِ أَبِي عِمْرَانَ ابْنُ سَهْلٍ وَجَوَابُ أَبِي عِمْرَانَ أَمْيَلُ إلَى الصَّوَابِ وَسُئِلَ الشَّارِقِي وَابْنُ دَحُونٍ وَابْنُ الشِّقَاقِ عَنْ الْمُكْتَرِي إذَا ابْتَاعَهَا بِشَرْطِ أَنَّ الْكِرَاءِ عَنْهُ مَحْطُوطٌ فَأَجَابُوا إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ابْنُ دَحُونٍ هَذَا إنْ كَانَ إسْقَاطُهُ مُشْتَرَطًا فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ وَضَعَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْبَيْعِ جَازَ قَالَ الشَّارِقِي وَأَجَازَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَهُوَ خَطَأٌ يُرِيدُ أَنَّهُ ابْتَاعَ الدَّارَ، وَالْكِرَاءُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَ فَصَارَ ذَهَبًا وَعَرَضًا بِذَهَبٍ، وَهُوَ بَيِّنُ الْفَسَادِ ابْنُ سَهْلٍ، وَجَوَابُهَا وَلَاءً لَا يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْكِرَاءَ لَا يَفْسَخُهُ الشَّرْطُ اُنْظُرْ تَمَامَهُ انْتَهَى.
وَانْظُرْ الْجَوَاهِرَ وَكَلَامَ الْوَانُّوغِيِّ فِي جَوَابِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَعَدَمُ التَّسْمِيَةِ لِكُلِّ سَنَةٍ)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ سَنَةً بِكَذَا، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لِكُلِّ شَهْرٍ شَيْئًا، وَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ بَعْضَهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي دُورِ مَكَّةَ وَيُرْجَعُ إلَى التَّقْوِيمِ عِنْدَ حُصُولِ مَانِعٍ (تَفْرِيعٌ:) فَإِنْ شَرَطَا الرُّجُوعَ إنْ حَصَلَ مَانِعٌ إلَى الْقِيمَةِ دُونَ التَّسْمِيَةِ جَازَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ شَرَطَا الرُّجُوعَ لِلتَّسْمِيَةِ دُونَ