«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ» وَكَرِهَ النَّخَعِيُّ أَنْ يُسْتَعْمَلَ الصَّانِعُ حَتَّى يُقَاطَعَ بِشَيْءٍ مُسَمًّى، وَكَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا قَالَ، وَلَا يَبْلُغُ التَّحْرِيمَ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ انْتَهَى.
، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ
(فَرْعٌ:) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ: إذَا قُلْت: خِطْهُ بِدِرْهَمٍ، وَقَالَ بِدِرْهَمَيْنِ، فَخَاطَهُ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا دِرْهَمٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّكَ أَعْلَمْتَهُ بِمَا تَرْضَى بِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ سَاكِنِ الدَّارِ انْتَهَى.
وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ: مَنْ دَفَعَ ثَوْبًا لِخَيَّاطٍ، فَقَالَ: لَا أَخِيطُهُ إلَّا بِدِرْهَمَيْنِ، وَقَالَ رَبُّهُ: لَا أَخِيطُهُ إلَّا بِدِرْهَمٍ، وَجَعَلَهُ عِنْدَهُ، فَخَاطَهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا دِرْهَمٌ قَالَ: وَمَنْ سَكَنَ مَنْزِلًا، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: بِدِينَارَيْنِ فِي السَّنَةِ، وَقَالَ السَّاكِنُ: لَا أُعْطِي إلَّا دِينَارًا وَإِلَّا خَرَجْت إنْ لَمْ تَرْضَ، فَسَكَنَ، وَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ حَتَّى تَمَّتْ السَّنَةُ قَالَ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِينَارٌ انْتَهَى.
وَمَسْأَلَةُ الْخَيَّاطِ: لَا تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ كِرَاءِ الْمَنْزِلِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ لَمْ يَتَوَلَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُفَرِّقُوا فِيهَا بَيْنَ تَقَدُّمِ قَوْلِ الْخَيَّاطِ، وَقَوْلِ صَاحِبِ الثَّوْبِ بِخِلَافِ الْمَنْزِلَ، فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ تَوَلَّى اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ مَعَ عِلْمِ رَبِّ الْمَنْزِلِ بِذَلِكَ، فَفَرَّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ تَقَدُّمُ قَوْلِ السَّاكِنِ وَتَأَخُّرِ قَوْلِهِ عَنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ حُكْمَ مَا أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ السِّلَعِ بِحَضْرَةِ رَبِّهِ حُكْمُ مَا ذُكِرَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْمَنْفَعَةِ مَعَ عِلْمِ رَبِّ الْمَنْزِلِ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ قَوْلَيْهِمَا الْآخَرُ، وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِكَلَامٍ جَيِّدٍ، وَفَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ مَسْأَلَةِ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ وَمَسْأَلَةِ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِرَاءِ الدُّورِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الرِّوَايَاتِ، فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ ثَانٍ) عُلِمَ مِنْ تَشْبِيهِ الْأُجْرَةِ بِالثَّمَنِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةَ الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ أَوْ التَّفْصِيلِ دُونَ الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ: بِالْكَرَاهَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ وَنُقِلَ الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ خَارِجِ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي مَسْلَمَةَ وَسَحْنُونٍ، فَعَلَى هَذَا لَا تَمْتَنِعُ حِرَاسَةُ الْأَنْدَرِ كُلَّ إرْدَبٍّ مَثَلًا بِقَدَحٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ التَّفْصِيلِ مَجْهُولُ الْجُمْلَةِ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِذَلِكَ مَا يُفْسِدُهُ مِنْ أَعْمَالٍ مَجْهُولَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ أَنَّ ابْنَ أَبِي زَيْدٍ سُئِلَ عَنْ حُرَّاسِ الزَّرْعِ وَالزَّيْتُونِ لَيْلًا وَنَهَارًا بِالضَّمَانِ، أَوْ بِغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ كُلَّ قَفِيزٍ عَلَيْهِ مُدَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، وَهَلْ يَلْزَمُهُمْ تَفْرِيغُ الشِّبَاكِ وَالْأَحْمَالِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: أَمَّا اسْتِئْجَارُهُمْ لِكُلِّ قَفِيزٍ مُدَّانِ، فَجَائِزٌ، فَإِنْ شَرَطُوا تَفْرِيغَ الشِّبَاكِ وَنُزُولَ الْأَحْمَالِ، فَيَلْزَمُ، وَشَرْطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ لَا يَلْزَمُ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مِمَّنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ الْبُرْزُلِيُّ يَجْرِي عَلَى شَرْطِ ضَمَانِ مَا لَا يُضْمَنُ فِي الْإِجَارَاتِ وَالْعَوَارِيّ، وَفِيهِ خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ مَا قَالَهُ، وَقَوْلُهُ: كُلُّ قَفِيزٍ بِمُدَّيْنِ جَائِزٌ مَعْنَاهُ إذَا عَرَفَ صِفَتَهُمَا كَمَا قَالَ: وَيُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَتِهِ بِفَرْكِ سُنْبُلِهِ، وَلَا يُرَاعَى كَثْرَةُ الْأَقْفِزَةِ مِنْ قِلَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كُلِّ قَفِيزٍ، فَهُوَ مَجْهُولُ الْجُمْلَةِ مَعْلُومُ التَّفْصِيلِ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا، وَفِي الذَّخِيرَة عَنْ الْأَبْهَرِيِّ مَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ قَالَ الْأَبْهَرَيْ يَمْتَنِعُ حَمْلُ الزَّرْعِ عَلَى أَنَّ لَهُ فِي كُلِّ مِائَةِ إرْدَبٍّ تَخْرُجُ عَشَرَةَ أَرَادِبَ؛ إذْ لَا يَدْرِي كَمْ إرْدَبًّا يَخْرُجُ؟ وَتَجُوزُ بِالْقَتَّةِ؛ لِأَنَّهَا تُحْزَرُ، وَلَعَلَّ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ الْبَيْعِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ حِرَاسَتِهِمْ الْأَنْدَرَ كُلَّهَا بِأَقْفِزَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصِيبُ أَلْفًا وَمِائَةَ قَفِيزٍ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ هَلْ هُوَ عَلَى قَدْرِ الرُّءُوسِ أَوْ الصَّابَّةِ؟ فَأَجَابَ: اسْتِئْجَارُهُمْ الْأَنْدَرَ بِأَقْفِزَةٍ مَعْلُومَةٍ إنْ كَانَ قَبْلَ حُصُولِهِ فِي الْأَنْدَرِ وَرُؤْيَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ وَبَعْدَ رُؤْيَتِهِ وَحُصُولِهِ، فَجَائِزٌ، وَيَكُونُ مَفْضُوضًا عَلَى قَدْرِ الصَّابَّةِ، وَوَقَعَ لِسَحْنُونٍ أَنَّهُ عَلَى الرُّءُوسِ وَالْأَوَّلُ: أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِيهَا، هَلْ هِيَ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ، أَوْ عَلَى الرُّءُوسِ؟ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَكَرِيَةِ الدُّورِ: وَلَوْ سَكَنَ أَجْنَبِيٌّ طَائِفَةً مِنْ دَارِكَ، وَقَدْ عَلِمْت بِهِ، فَلَمْ تُخْرِجْهُ لَزِمَهُ كِرَاءُ مَا سَكَنَ