سَمَاعِ أَشْهَبَ خَوْفَ أَنْ تَكُونَ الْمُسَاقَاةُ الَّتِي أَظْهَر أَوَّلًا وَآخِرًا ذَرِيعَةً لِاسْتِئْجَارِ الْعَامِلِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي عَمِلَ فِيهَا بِالْجُزْءِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ رُدَّ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ فَعَلَا ذَلِكَ لِأَمْرٍ بَدَا لَهُمَا دُونَ دُلْسَةٍ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهَا بِانْفِرَادِهَا مُسَاقَاةٌ صَحِيحَةٌ انْتَهَى مُخْتَصَرًا مِنْ رَسْمِ الْبُيُوعِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ: أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَحَكَاهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ، وَذَكَرَهُ فِي الشَّامِلِ بِقِيلِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ (تَنْبِيهٌ:) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: إذْ لِلْعَامِلِ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ، فَاسْتَدَلَّ عَلَى مُتَارَكَةِ رَبِّ الْحَائِطِ بِمُسَاقَاةِ الْغَيْرِ، فَجَعَلَهَا مُسَاقَاةً تَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْمُسَاقَاةِ، وَإِنَّمَا أَجَازَهَا بِغَيْرِ لَفْظِهَا؛ لِأَنَّهَا إقَالَةٌ، وَالْإِقَالَةُ مَعْرُوفٌ

ص (وَمُسَاقَاةُ الْعَامِلِ آخَرَ)

ش: أَمَّا إذَا سَاقَى عَلَى مِثْلِ الْجُزْءِ الَّذِي سُوقِيَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، فَلَا تَجُوزُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ إلَّا بِرِضَا رَبِّهِ، وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُ رَبُّ الْحَائِطِ، فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ الثَّانِي أَكْثَرَ، فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ، فَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي سَاقَى عَلَيْهِ صَاحِبَ الْحَائِطِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ سَاقَاهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ وَسَاقَى هُوَ الْآخَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ الثُّلُثَانِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ عَمِلَ كَانَ لَهُ الْفَضْلُ أَيْضًا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ الَّذِي يَرَى الْمُسَاقَاةَ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ الَّتِي لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ انْتَهَى.

ص (وَلَمْ تَنْفَسِخْ بِفَلَسِ رَبِّهِ وَبَيْعِ مُسَاقًى)

ش: ظَاهِرُ قَوْلِهِ بِيعَ سَوَاءٌ كَانَ مُسَاقًى سَنَةً، أَوْ سَنَتَيْنِ وَمَنَعَهُ سَحْنُونٌ فِي السَّنَتَيْنِ وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ بِأَنَّ قَوْلَ سَحْنُونٍ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ: وَلَوْ أَحَبَّ الْمُفْلِسُ تَأْخِيرَ بَيْعِ الثَّمَرَةِ لِطِيبِهَا وَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ تَعْجِيلَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ غَيْرَ مَأْبُورَةٍ انْتَهَى.

(فَرْعٌ:) مِنْهُ، وَفِي أَكْرِيَةِ الدُّورِ مِنْهَا لِمَنْ أَخَذَ نَخْلًا مُسَاقَاةً، فَغَار مَاؤُهَا بَعْدَ أَنْ سَقَى أَنْ يُنْفِقَ فِيهَا بِقَدْرِ حَظِّ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الثَّمَرَةِ لِسَنَتِهِ تِلْكَ الْأَكْثَرُ فِي مِثْلِهِ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا زَادَتْ النَّفَقَةُ عَلَى حَظِّ رَبِّ الْأَرْضِ لَا يَلْزَمُهُ، وَمِثْلُهُ فِي رُهُونِهَا خِلَافُ سَمَاعِ سَحْنُونٍ لُزُومُ الرَّاهِنِ إصْلَاحُهَا، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْحَائِطِ غَيْرُهُ بِيعَ مِنْهُ بِمَا يُصْلِحُهَا لِئَلَّا يَذْهَبَ عَمَلُ الْعَامِلِ انْتَهَى.

ص (وَدَفْعُهُ لِذِمِّيٍّ لَمْ يَعْصِرْ حِصَّتَهُ خَمْرًا)

ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ:، وَلَا بَأْسَ أَنْ تَدْفَعَ نَخْلَكَ إلَى نَصْرَانِيٍّ مُسَاقَاةً إنْ أَمِنْتَ أَنْ يَعْصِرَهُ خَمْرًا قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَيْفَ يَقُولُ هَذَا مَالِكٌ، وَقَدْ سَاقَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْأَمْنَ مِنْ عَصْرِ الْخَمْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمَمْنُوعُ إذَا كَانَ يُسْقُونَهُ مُسْلِمًا، وَلَا يُقَالُ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ فَتْحَ خَيْبَرَ بَعْدَ تَحْرِيمِهَا قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْأَمْنِ حَتَّى يُعْلَمَ الْأَمْنُ انْتَهَى.

(فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَرِهَ مَالِكٌ أَخْذَكَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ مُسَاقَاةً، أَوْ قِرَاضًا وَلَسْتُ أَرَاهُ حَرَامًا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الْإِذْلَالِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي مِثْلَهُ اخْتَصَرَهَا ابْنُ يُونُسَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى اخْتِصَارِهِمَا يَكُونُ مَالِكٌ نَصَّ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاضِ وَقَاسَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ كَرَاهَةَ الْمُسَاقَاةِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَمَلَ كَرَاهَةَ مَالِكٍ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ، فَيَكُونُ كَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى قَوْلَيْنِ التَّحْرِيمِ لِمَالِكٍ وَالْكَرَاهَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015