الْبَاجِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُوَطَّإِ: وَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْعَامِلِ ابْتِدَاءُ عَمَلٍ جَدِيدٍ مِنْ بِئْرٍ يَحْفِرُهَا، أَوْ غَرْسٍ يَغْرِسُهُ فَيَأْتِي بِهِ مِنْ عِنْدِهِ، يَعْنِي: أَنَّهُ يَشْتَرِطُ عَلَى الْعَامِلِ غَرْسًا يَأْتِي بِهِ مِنْ عِنْدِهِ فَيَغْرِسُهُ فِي أَرْضِهِ، أَوْ حَائِطِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ يَسِيرًا أَجَزْتُ الْمُسَاقَاةَ، وَأَبْطَلْتُ الشَّرْطَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ قَدْرٌ لَمْ تَجُزْ. قَالَ مَالِكٌ، وَلَوْ شَرَطَ الْعَمَلَ فِي ذَلِكَ فَقَطْ، وَيَكُونُ أَصْلُ الْغَرْسِ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الْحَائِطِ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا تَعْظُمُ فِيهِ الْمُؤْنَةُ فَجَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجِيرٌ لَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ، قَالَ عِيسَى إنْ كَانَ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ دُونَ الْأَصْلِ يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْوَدِيُّ مِنْ الْعَامِلِ رُدَّ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ وَلَهُ قِيمَةُ غَرْسِهِ مَقْلُوعًا انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ كَذَا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي نَقَلْت مِنْهَا، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ سَقْطٌ مِنْهُ لَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ كَلَامِهِ فَتَأَمَّلْهُ فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يَجُوزُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ فِي رَسْمٍ كُتِبَ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَسْقِيَ الْجَدَاوِلَ إذَا كَانَتْ يَسِيرَةً قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ مِنْ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ الَّذِي جَوَّزُوا اشْتِرَاطَهُ.
ص (وَلَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ)
ش: احْتِرَازًا مِمَّا إذَا حَلَّ بَيْعُهُ كَمَا إذَا أَزْهَى بَعْضُ الْحَائِطِ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَزْهَى بَعْضُ الْحَائِطِ لَمْ تَجُزْ مُسَاقَاةُ جَمِيعِهِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ نَاجِي: تَسَامَحَ فِي قَوْلِهِ لَمْ تَجُزْ مُسَاقَاةُ جَمِيعِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ لَمْ تَجُزْ مُسَاقَاةُ شَيْءٍ مِنْهُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى رَبِّهِ فِي ذَلِكَ لِجَوَازِ بَيْعِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ انْتَهَى.
(قُلْت:) وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُسَاقَاةُ إذَا أَزْهَى مَا يُجَاوِرُهُ مِنْ الْحَوَائِطِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ (تَنْبِيهٌ:) ، فَإِذَا عَمِلَ رَبُّ الْحَائِطِ فِي حَائِطِهِ مُدَّةً، ثُمَّ سَاقَاهُ قَبْلَ أَنْ يُثْمِرَ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَثْمَرَ، وَلَمْ يَحِلَّ بَيْعُ الثَّمَرَةِ جَازَ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِأُجْرَةِ مَا سَقَى، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ قَالَهُ فِي رَسْمِ مَسَائِلِ الْبُيُوعِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ سَاقَاهُ بَعْدَ أَنْ أَسْقَى شَهْرًا عَلَى أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا سَقَى فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ انْتَهَى.
ص (وَلَمْ يُخْلِفْ)
ش: احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا يُخْلِفُ كَالْبُقُولِ وَالْقَضْبِ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَوْزِ وَالْقُرْطِ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْكُرَّاثُ وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِشَجَرٍ، وَإِذَا جُزَّ أَخَلْفَ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ رَبُّهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ أَنَّ الْبَصَلَ جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُجَذُّ بِأُصُولِهِ بِخِلَافِ الْكُرَّاثِ فَإِنَّهُ يُجَذُّ وَتَبْقَى أُصُولُهُ فِي الْأَرْضِ.
ص (إلَّا تَبَعًا)
ش: هُوَ رَاجِعٌ إلَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي قَبْلَهُ كَمَا ذَكَرنَا عَنْ الْبَاجِيِّ قَبْلُ، وَلَيْسَ خَاصًّا بِالْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ (تَنْبِيهٌ:) وَإِذَا كَانَ مَا يَخْلُفُ تَبَعًا فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَلَا إلْغَاؤُهُ لِلْعَامِلِ قَالَهُ فِي رَسْمِ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ.
ص (بِجُزْءٍ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ)
ش: لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ بِجُزْءٍ، وَإِنَّمَا نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ بِكَيْلٍ مُسَمًّى مِنْ الثَّمَرَةِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرَةِ بَلْ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ جَمِيعُهَا لِلْعَامِلِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَظَاهِرُهَا أَنَّهَا مُسَاقَاةٌ حَقِيقِيَّةٌ، وَيُجْبَرُ الْعَامِلُ أَوْ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَعْمَلُ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْهِبَةَ لِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ وَكَثْرَةِ الْخَرَاجِ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا رَوَاهُ