بِهِ حِينَئِذٍ، وَلَعَلَّهُ فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِهِ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ لَا فِي التَّنْبِيهَاتِ، وَلَا فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ جَائِزٌ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ غَيْرُ جَائِزٍ بِالْعُرُوضِ مَا كَانَتْ
وَاخْتَلَفُوا فِي الشُّرُوطِ الَّتِي بِهَا يَصِحُّ فَعِنْدَنَا أَنَّ شُرُوطَهُ عَشَرَةٌ: نَقْدُ رَأْسِ الْمَالِ لِلْعَامِلِ، وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا، وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَى الْعَامِلِ، وَكَوْنُهُ مِمَّا يَتَبَايَعُ بِهِ أَهْلُ بَلَدٍ مِنْ الْعَيْنِ مَسْكُوكًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَسْكُوكٍ، وَمَعْرِفَةُ الْجُزْءِ الَّذِي تَقَارَضَا عَلَيْهِ مِنْ رِبْحِهِ، وَكَوْنُهُ مُشَاعًا لَا مُقَدَّرًا بِعَدَدٍ، وَلَا تَقْدِيرٍ، وَأَنْ لَا يُخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ سَوَاءً إلَّا مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ الْعَامِلُ مِنْ نَفَقَةٍ وَمُؤْنَةٍ فِي السَّفَرِ، وَاخْتِصَاصُ الْعَامِلِ بِالْعَمَلِ، وَأَنْ لَا يُضَيَّقَ عَلَيْهِ بِتَحْجِيرٍ أَوْ بِتَخْصِيصٍ يَضُرُّ بِالْعَامِلِ وَأَنْ لَا يُضْرَبَ لَهُ أَجَلٌ انْتَهَى.
فَقَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ مِمَّا يَتَبَايَعُ بِهِ إلَخْ رُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ (تَنْبِيهٌ:) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا تَقْدِيرٍ: ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ابْنَ شَاسٍ فَسَّرَهُ بِأَنَّهُ مِثْلُ مَا قَارَضَ بِهِ فُلَانٌ انْتَهَى.
فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الشُّرُوطَ: فَإِذَا تَوَفَّرَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ جَازَ الْقِرَاضُ، وَإِنْ اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ فَسَدَ الْقِرَاضُ انْتَهَى.
ص (مُسَلَّمٌ)
ش: أَيْ لِلْعَامِلِ وَاحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا إذَا شَرَطَ بَقَاءَ يَدِهِ مَعَهُ أَوْ أَمِينًا عَلَيْهِ وَمِمَّا لَوْ قَارَضَهُ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَقَدْ زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِإِخْرَاجِ ذَلِكَ قَيْدًا آخَرَ، فَقَالَ: الْمَالُ شَرْطُهُ نَقْدٌ مُعَيَّنٌ مَعْلُومٌ مُسَلَّمٌ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ بِدَيْنٍ، وَلَوْ أَحْضَرَهُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَذَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: مُعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ فَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَقُولَ لِمَدِينِهِ: اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِكَ قِرَاضًا مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَوْ أَحْضَرَهُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ وَيُعِيدَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَخَّرَهُ بِهِ لِيَزِيدَهُ فِيهِ اللَّخْمِيُّ وَلِأَنَّهُمَا قَدْ يُظْهِرَانِ الْقِرَاضَ وَيُبْطِنَانِ أَنْ يَأْتِيَهُ رِبْحٌ مِنْ دَيْنِهِ، فَيَكُونَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيِّ وَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْقَبْضِ إحْضَارُهُ مَعَ الْإِشْهَادِ انْتَهَى وَسَيَذْكُرُ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ.
ص (إنْ عُلِمَ قَدْرُهُمَا)
ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَسَيُصَرِّحُ الْمُؤَلَّفُ بِبَعْضِ مَفْهُومِهِ، وَمِنْهُ مَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَشَرَطَ ابْنُ شَاسٍ كَوْنَ الْمَالِ مَعْلُومًا قَالَ: احْتِرَازًا مِنْ دَفْعِ صُرَّةٍ عَيْنًا قِرَاضًا؛ لِأَنَّ جَهْلَ الْمَالِ يُؤَدِّي إلَى جَهْلِ الرِّبْحِ وَاضِحٌ مِنْ مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ انْتَهَى. وَفِي الشَّامِلِ: وَلَا يَجُوزُ بِمَجْهُولِ وَزْنٍ انْتَهَى.
ص (وَلَوْ مَغْشُوشًا)
ش: أَشَارَ بِهَذَا لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيَجُوزُ بِالْمَغْشُوشِ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْأَصَحَّ يَجُوزُ بِهِ مُطْلَقًا وَمُقَابِلُهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَكَذَا فَهِمَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ، وَعَزَا مُقَابِلَ الْأَصَحِّ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ وَأَنَّ الْبَاجِيَّ قَيَّدَهُ بِبَلَدٍ لَا يَتَعَامَلُ بِالْمَغْشُوشِ مُطْلَقًا قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْمَغْشُوشُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهِ مَضْرُوبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الْغِشُّ النِّصْفَ فَأَقَلَّ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَمْ يَجُزْ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي بِأَنَّ هَذِهِ دَرَاهِمُ مَغْشُوشَةٌ فَلَمْ يَجُزْ الْقِرَاضُ بِهَا أَصْلَ ذَلِكَ إذَا زَادَ الْغِشُّ عَلَى النِّصْفِ، وَاَلَّذِي عِنْدِي: أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ لَيْسَتْ بِالسِّكَّةِ الَّتِي يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهَا، فَإِذَا كَانَتْ سِكَّةَ التَّعَامُلِ فَإِنَّهُ يَجُوز الْقِرَاضُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ عَيْنًا، وَصَارَتْ أُصُولَ الْأَثْمَانِ، وَقِيَمَ الْمُتْلِفَاتِ، وَقَدْ جَوَّزَ أَصْحَابُنَا الْقِرَاضَ بِالْفُلُوسِ، فَكَيْفَ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ؟ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِأَعْيَانِهَا، وَلَوْ كَانَتْ عُرُوضًا لَمْ تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِأَعْيَانِهَا، وَإِنْ اُعْتُرِضَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُقْطَعَ فَتَسْتَحِيلَ أَسْوَاقُهَا فَمِثْلُ ذَلِكَ يَعْتَرِضُ فِي الدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ إذَا قُطِعَ التَّعَامُلُ بِهَا انْتَهَى.
وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ عَرَفَةَ