إذَا كَانَ الْحَرَامُ عِنْدَ آخِذِهِ لَمْ يَفُتْ رُدَّ بِعَيْنِهِ إلَى رَبِّهِ وَمَالِكِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ حَلَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ يَعْنِي لِلْغَاصِبِ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ إنْ كَانَ عَرْضًا وَلَا يُبَايِعُهُ فِيهِ إنْ كَانَ عَيْنًا وَلَا يَأْكُلُهُ إنْ كَانَ طَعَامًا وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ شَيْئًا هِبَةً وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ فِي حَقٍّ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ عَالِمٌ كَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الْغَاصِبِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَكَذَا إنْ فَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَلَمْ يَذْهَبْ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ أَوْ بِجِنَايَةٍ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُ تَخْيِيرَ صَاحِبِهِ أَخْذَهُ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ أَفَاتَهُ الْغَاصِبُ إفَاتَةً لَا تَقْطَعُ تَخْيِيرَ صَاحِبِهِ فِي أَخْذِهِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ شَاةً فَيَذْبَحَهَا أَوْ بُقْعَةً فَيَبْنِيَهَا دَارًا أَوْ ثَوْبًا فَيَخِيطَهُ أَوْ يَصْبُغَهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَوْ أَفَاتَهُ إفَاتَةً تَلْزَمُهُ بِهَا الْقِيمَةُ أَوْ الْمِثْلُ فِيمَا لَهُ الْمِثْلُ وَيَسْقُطُ خِيَارُ رَبِّهَا فِي أَخْذِهَا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَالْفِضَّةِ يَصُوغُهَا حُلِيًّا وَالصُّفْرِ يَفْعَلُ مِنْهُ قَدَحًا وَالْخَشَبِ يَصْنَعُ مِنْهُ تَوَابِيتَ وَأَبْوَابًا وَالصُّوفِ وَالْحَرِيرِ وَالْكَتَّانِ يَعْمَلُ مِنْ ذَلِكَ ثِيَابًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِمَا جَازَ أَيْضًا لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَلَا أَنْ يَسْتَوْهِبَهُ بِخِلَافِ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّ لِرَبِّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَأْخُذَ الْفِضَّةَ مَصُوغَةً وَالصُّفْرَ مَعْمُولًا وَالْخَشَبَ مَصْنُوعًا وَالثِّيَابَ مَنْسُوجَةً دُونَ شَيْءٍ يَكُونُ عَلَيْهِ لِلْغَاصِبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ كَانَ مَالُهُ حَرَامًا أَوْ كَانَ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ فَإِذَا أَرَادَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ أَخْذَ عَيْنِ دَنَانِيرِهِ وَدَرَاهِمِهِ مِنْ الْغَاصِبِ الَّذِي مَالُهُ حَرَامٌ أَوْ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ مُكِّنَ مِنْ ذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ ثُمَّ قَالَ: وَانْظُرْ الِاتِّفَاقَ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ قَوْلِ ابْنِ الْجَلَّابِ وَمَنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ فَوَجَدَهَا رَبُّهَا بِعَيْنِهَا وَأَرَادَ أَخْذَهَا وَأَبَى الْغَاصِبُ أَنْ يَرُدَّهَا وَأَرَادَ رَدَّ مِثْلِهَا فَذَلِكَ لِلْغَاصِبِ دُونَ رَبِّهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، انْتَهَى.
(قُلْت) ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ شَاسٍ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ إعْطَاءَ رَبِّهَا غَيْرَ عَيْنِهَا فَإِنْ افْتَرَقَا فِي الْحِلِّ وَالتَّحْرِيمِ أَوْ الشُّبْهَةِ فَلِرَبِّهَا أَخْذُ عَيْنِهَا اتِّفَاقًا وَإِلَّا فَالْمَشْهُورُ كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْجَلَّابِ ذَكَرَهُ هُوَ فِي بَابِ الْغَصْبِ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ ذَلِكَ لِرَبِّهَا دُونَ غَاصِبِهَا وَقَالَ غَيْرُهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْغَصْبِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْبُيُوعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِهَا وَاقِعٌ عَلَى صِفَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ لِعَيْنِهَا وَلَا غَرَضَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الْمَغْصُوبُ فَلَهُ غَرَضٌ فِي أَخْذِ عَيْنِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ حَلَالٌ وَمَالُ الْغَاصِبِ حَرَامٌ فَكَيْفَ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ وَإِنَّمَا تَأَوَّلَ عَلَيْهِ فِي هَذَا قَوْلَهُ فِي الْبَيْعِ وَلَا شُبْهَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ التَّوْضِيحِ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ التِّلْمِسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ وَالْقَرَافِيُّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِرَبِّهَا أَخْذَهَا وَاَلَّذِي لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْبَيْعِ هُوَ مَا فِي كِتَابِ السَّلَمِ فِيمَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ أَقَالَكَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَدَرَاهِمُك فِي يَدِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَكَ غَيْرَهَا فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ كُنْتَ شَرَطْت اسْتِرْجَاعَهَا بِعَيْنِهَا، انْتَهَى. فَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَ الْمِثْلِيَّ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ فِيهِ مُفَوِّتٌ وَلَمْ يَدْفَعْ مِثْلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (كَإِجَازَتِهِ بَيْعَهُ مَعِيبًا زَالَ وَقَالَ: