مَتَى انْعَقَدَ فِي وَثِيقَةِ التَّوْكِيلِ تَسْمِيَةُ شَيْءٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ التَّفْوِيضَ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ لِمَا سَمَّى وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا وَذَكَرَ التَّفْوِيضَ التَّامَّ، فَهُوَ تَفْوِيضٌ تَامٌّ فِي جَمِيعِ أُمُورِ الْوَكَالَةِ وَكُلَّمَا فُعِلَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ رِوَايَةُ مُطَرِّفٍ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى مِنْ مَسَائِلِ الْوَكَالَاتِ.
ص (وَتَعَيَّنَ بِنَصٍّ أَوْ قَرِينَةٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَكَالَةَ إمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّفْوِيضِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ أَوْ يُعَيِّنُ الْمُوَكِّلُ فِيهِ فَيَتَعَيَّنُ فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَتَعَدَّاهُ.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ وَكَّلْت رَجُلًا يَقْبِضُ مَا لَكَ عَلَى فُلَانٍ فَجَحَدَهُ فَحَلَّفَهُ الْوَكِيلُ، ثُمَّ لَقِيتَهُ أَنْتَ لَمْ يَكُنْ لَكَ أَنْ تُحَلِّفَهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ يَمِينَهُ لِوَكِيلِكَ يَمِينٌ لَكَ، وَقَالَ عِيَاضٌ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ عَلَى خِصَامٍ أَوْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْوَكَالَةَ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُوَكَّلًا عَلَى الْقَبْضِ مُجَرَّدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ لِرَبِّ الْمَالِ بَعْدَ خِصَامِهِ وَتَحْلِيفِهِ انْتَهَى. وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَفُهِمَ مِنْهُ إذَا وَكَّلَهُ عَلَى الْخِصَامِ، فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا عَلَى الْقِيَامِ بِعَيْبٍ فِي سِلْعَةٍ اشْتَرَاهَا مِنْ رَجُلٍ وَالْمُوَكِّلُ غَائِبٌ، فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ بَاعَ مِنْ مُوَكِّلِهِ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ، فَرَدَّهَا عَلَى الْغَائِبِ فَاَلَّذِي أَرَاهُ إذَا لَمْ يُسَمِّ الْمُقَدَّمَ عَلَيْهِ مَنْ بَاعَ مِنْهُ السِّلْعَةَ أَوْ سَمَّى رَجُلًا غَائِبًا بُعَيْدَ الْغَيْبَةِ، فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ لَدَدُهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ حَمِيلٌ بِالثَّمَنِ إلَى أَنْ يَكْتُبَ لِلْمُوَكِّلِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَيَحْلِفُ وَسَوَاءٌ كَانَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ أَوْ بَعِيدَهَا، وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ الَّذِي فِي وَكِيلِ الْغَائِبِ عَلَى قَبْضِ الدَّيْنِ يُقِرُّ بِهِ الْغَرِيمُ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ قَضَاهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مُقِرٌّ لِلْغَائِبِ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا أَخْذُ الثَّمَنِ مِنْهُ أَوْ إيقَافُهُ، فَلَا أَرَاهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ بَعْدَ شَيْءٍ انْتَهَى.
ص (وَتَخَصَّصَ وَتَقَيَّدَ بِالْعُرْفِ)
ش: فَاعِلُ تَخَصَّصَ وَتَقَيَّدَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الشَّيْءِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ أَوْ عَلَى لَفْظِ الْمُوَكِّلِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَفْظُ الْوَكِيلِ عَامًّا، فَإِنَّهُ يَتَخَصَّصُ بِالْعُرْفِ كَمَا إذَا قَالَ: وَكَّلْتُكَ عَلَى بَيْعِ دَوَابِّي وَكَانَ الْعُرْفُ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ ذَلِكَ بِبَعْضِ أَنْوَاعِ الدَّوَابِّ، فَإِنَّهُ يَتَخَصَّصُ بِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: لَهُ وَكَّلْتُكَ عَلَى بَيْعِ هَذِهِ السِّلْعَةِ، فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ عَامٌّ فِي بَيْعِهَا فِي كُلِّ مَكَان وَزَمَانٍ، فَإِذَا كَانَ الْعُرْفُ أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ إنَّمَا تُبَاعُ فِي سُوقٍ مَخْصُوصٍ أَوْ فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ، فَإِنَّ الْعُرْفَ يُخَصِّصُ ذَلِكَ الْعُمُومَ، وَكَذَا إذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمُوَكَّلُ فِيهِ مُطْلَقًا أَوْ لَفْظُ الْمُوَكَّلِ، فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ كَمَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي عَبْدِي، فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ. وَالْعَامُّ هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرِقُ الصَّالِحُ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، وَالْمُطْلَقُ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ.
ص (إلَّا عَلَى بَيْعٍ فَلَهُ طَلَبُ الثَّمَنِ وَقَبْضُهُ)
ش: هُوَ نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَيَمْلِكُ الْوَكِيلُ الْمُطَالَبَةَ بِالثَّمَنِ وَقَبْضَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي أَنَّ التَّوْكِيلَ عَلَى الْبَيْعِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ لِلْوَكِيلِ الْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ وَقَبْضُهُ لِذَلِكَ لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ، وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ ضَمِنَهُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَوْلُهُ: فَلَهُ طَلَبُ الثَّمَنِ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ تَرْكَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَلِذَلِكَ، لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ ضَمِنَهُ (الثَّانِي) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَادَةُ التَّرْكَ فَقَدْ نَصَّ أَبُو عِمْرَانَ عَلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ فِي الرِّبَاعِ أَنَّ وَكِيلَ الْبَيْعِ لَا يَقْبِضُ الثَّمَنَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَهُ قَبْضُ مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ إلَّا لِعَادَةٍ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي تَقْسِيمِ الْمُدَّعَى لَهُمْ: مَسْأَلَةٌ وَالْوَكِيلُ عَلَى بَيْعِ الدَّارِ وَالْعَقَارِ إذَا أَرَادَ قَبْضَ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وَكِيلٌ عَلَى الْبَيْعِ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ أَنَّ وَكِيلَ الْبَيْعِ فِي الدَّارِ وَالْعَقَارِ لَا يَقْبِضُ الثَّمَنَ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِتَوْكِيلٍ خَاصٍّ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَهْلُ بَلَدٍ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِأَنَّ مُتَوَلِّيَ الْبَيْعِ يَتَوَلَّى قَبْضَ الثَّمَنِ فَيُجْزِئُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ عَلَى الْبَيْعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ عَلَى بَيْعِ السِّلَعِ فَإِنَّ لَهُ قَبْضَ الثَّمَنِ وَالْمُطَالَبَةَ بِهِ انْتَهَى