الْعِلْمِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا مَوْضِعٌ لِطَلَبِ الْأُجْرَةِ كَالْمُعَلِّمِينَ فَلَا يَكُونُونَ أَحَقَّ بِذَلِكَ بَلْ يَنْبَغِي إزَالَتُهَا، وَكَذَلِكَ إنْ وُضِعَ لِلْعَالِمِ فِي مَوْضِعٍ حَصِيرٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ حَتَّى سَبَقَهُ غَيْرُهُ وَيُرَاعَى فِي ذَلِكَ حَقُّ مَنْ يَقْصِدُ الْعُلَمَاءَ فَيَجِدُهُمْ فِي مَكَانِهِمْ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَبِسَدِّ كَوَّةٍ فُتِحَتْ أُرِيدَ سَدُّهَا خَلْفَهَا)

ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَوَّةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الطَّاقِ انْتَهَى.

وَنَحْوُهُ فِي الصِّحَاحِ وَعَلَى الْفَتْحِ فَجَمْعُهَا كُوًى بِكَسْرِ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَكِوَاءٌ بِالْمَدِّ وَعَلَى الضَّمِّ فَجَمْعُهَا كُوًى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ فَتَحَ كَوَّةً عَلَى جَارِهِ فَلَمَّا قَامَ عَلَيْهِ أَرَادَ أَنْ يَسُدَّ خَلْفَهَا بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سَدِّهَا، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فُتِحَتْ أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ أَمَّا لَوْ كَانَتْ قَدِيمَةً فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى بِسَدِّهَا عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ فَتَحَ فِي جِدَارِهِ كَوَّةً، أَوْ بَابًا يَضُرُّ بِجَارِهِ فِي الشَّرَفِ عَلَيْهِ مِنْهُ مُنِعَ فَأَمَّا كَوَّةٌ قَدِيمَةٌ، أَوْ بَابٌ قَدِيمٌ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ وَفِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى جَارِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ، وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ فُقَهَائِنَا يُفْتِي وَيَسْتَحْسِنُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ التَّكَشُّفِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدِيمَةً، وَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ لَمْ يَتْرُكَا؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا وَهُوَ خِلَافُ النُّصُوصِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُجْبَرَ الْمُحْدِثُ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ انْتَهَى.

يَعْنِي الْمُحْدِثَ لِلْبُنْيَانِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَالْقِدَمُ الَّذِي أَرَادَ إنَّمَا هُوَ طُولُ الْمُدَّةِ وَلَيْسَ أَنَّهُ أَقْدَمُ مِنْ بِنَاءِ جَارِهِ انْتَهَى.

وَمِنْ حَرِيمِ الْبِئْرِ، وَقَالَ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ: وَالْقِدَمُ إمَّا سُكُوتُ هَذَا الثَّانِي، أَوْ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى بِنَائِهِ وَسُكُوتُهُ مُدَّةَ حِيَازَةِ الضَّرَرِ فَيَكُونُ مَذْهَبُهُ عَلَى هَذَا أَنَّ الضَّرَرَ يُحَازُ انْتَهَى.

، وَقَالَ الْقَلْشَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ سَمِعْت شَيْخَنَا أَبَا مَهْدِيٍّ يَحْكِي عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّ الْكَوَّةَ الْقَدِيمَةَ تُسَدُّ قَالَ؛ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ كَانَ سَيِّئَ الْحَالِ انْتَهَى.

وَلَعَلَّ ابْنَ عَرَفَةَ إنَّمَا أَفْتَى بِذَلِكَ لِكَوْنِ الْجَارِ كَانَ سَيِّئَ الْحَالِ، وَإِلَّا فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالسَّدِّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْجَارِ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَقَوَّى ابْنُ عَبْدِ النُّورِ فِي الْحَاوِي الْقَوْلَ بِسَدِّهَا.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْهِنْدِيِّ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ كَوَّةٌ قَدِيمَةٌ يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى جَارِهِ فَلَا قِيَامَ لِلْجَارِ فِيهَا وَيَجِبُ فِي التَّحَفُّظِ بِالدِّينِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِغَلْقِهَا مِنْ جِهَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ وَأَنْ يَكُونَ التَّحَفُّظُ بِالدِّينِ، أَوْكَدَ مِنْ حُكْمِ السُّلْطَانِ انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَضَاءَ بِسَدِّ الْكَوَّةِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ قَرِيبَةً يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ مِنْهَا قَالَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ رَفَعَ بِنَاءَهُ فَفَتَحَ كَوَّةً يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى جَارِهِ مُنِعَ وَكَتَبَ عُمَرُ فِي هَذَا أَنْ يُوقَفَ عَلَى سَرِيرٍ فَإِنْ نَظَرَ إلَى مَا فِي دَارِ جَارِهِ مُنِعَ، وَإِلَّا لَمْ يُمْنَعْ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ ضَرَرٌ وَأَمَّا مَا لَا يَنَالُ مِنْهُ النَّظَرَ إلَيْهِ فَلَا يُمْنَعُ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ الْمُرَادُ بِالسَّرِيرِ السَّرِيرُ الْمَعْلُومُ وَمِثْلُهُ الْكُرْسِيُّ وَشِبْهُهُ لِمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ السُّلَّمُ؛ لِأَنَّ فِي وَضْعِ السُّلَّمِ إيذَاءً وَالصُّعُودُ عَلَيْهِ تَكَلُّفًا لَا يُفْعَلُ إلَّا لِأَمْرٍ مُهِمٍّ، وَلَيْسَ يَسْهُلُ صُعُودُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ السَّرِيرُ فُرُشُ الْغُرْفَةِ وَكَذَا سَمِعْت بَعْضَ مَشَايِخِنَا يُفَسِّرُهُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْلَى لِقَوْلِهِ يُوضَعُ وَرَاءَهَا؛ لِأَنَّ الْغُرْفَةَ لَا تُسَمَّى غُرْفَةً إلَّا إذَا كَانَتْ بِفُرُشٍ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فَفَهِمَ عِيَاضٌ أَنَّهُ أَرَادَ أَرْضَ الْغُرْفَةِ، وَهَذَا بَعِيدٌ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْفُرُشَ الْمَعْلُومَ عِنْدَ النَّاسِ، وَانْظُرْ هَلْ يُؤْخَذُ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ وَكِتَابِهِ إجَازَةُ رَفْعِ الْبُنْيَانِ انْتَهَى.

ثُمَّ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنْ نَظَرَ إلَى مَا فِي دَارِ جَارِهِ مُنِعَ مَعْنَاهُ إذَا اطَّلَعَ مِنْ هَذِهِ الْكَوَّةِ وَاسْتَبَانَ مِنْهَا مِنْ دَارِ الْآخَرِ الْوُجُوهُ فَإِنْ لَمْ تَسْتَبِنْ الْوُجُوهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الِاطِّلَاعُ ضَرَرًا انْتَهَى.

، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ قَالَ مَالِكٌ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ ضَرَرٌ يَعْنِي الِاطِّلَاعَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِسَرِيرٍ، وَلَا غَيْرِهِ انْتَهَى.

(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فَلَا يَفْعَلُ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ مِنْ فَتْحِ كَوَّةٍ قَرِيبَةٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015