فَيُهْدَمُ مَا بَنَاهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ، وَلَا بِجَارِهِ لَمْ يُهْدَمْ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ تَزَيَّدَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ لَا يُهْدَمُ بُنْيَانُهُ، وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدِي مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ بُنْيَانُهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ لِمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِي الْبِنَاءِ وَهُوَ الَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يُبِيحُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً انْتَهَى.

، وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَيْضًا فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ، وَالْحَبْسِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ: قَالَ أَصْبَغُ: سَأَلْت أَشْهَبَ عَنْ رَجُلٍ يَهْدِمُ دَارِهِ وَلَهُ الْفِنَاءُ الْوَاسِعُ فَيَزِيدُ فِيهَا مِنْ الْفِنَاءِ يُدْخِلُهُ بُنْيَانَهُ، ثُمَّ يَعْلَمُ بِذَلِكَ قَالَ: لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ إذَا كَانَ الْفِنَاءُ وَاسِعًا وَبَرَاحًا لَا يَضُرُّ الطَّرِيقَ، وَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَنَا أَكْرَهُهُ، وَلَا آمُرُ بِهِ، وَلَا أَقْضِيَ عَلَيْهِ بِهَدْمِهِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا وَبَرَاحًا لَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَا يُقَارِبُهُ الْمَشْيُ قَالَ أَصْبَغُ فِي الرَّجُلِ يَبْنِي دَارًا لَهُ فَيَأْخُذُ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا يَزِيدُهُ فِيهَا كَانَ ذَلِكَ مُضِرًّا بِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لَا يَضُرُّ أَتَرَى ذَلِكَ جَائِزًا وَهَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ مِثْلِ هَذَا قَالَ أَصْبَغُ: إنْ كَانَ اقْتَطَعَهُ اقْتِطَاعًا فَمَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَدْخَلَهُ فِي بُنْيَانِهِ وَكَانَ إدْخَالُهُ فِيمَا يُرَى بِمَعْرِفَةٍ لَا بِجَهَالَةٍ، أَوْ وُقِفَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُبَالِ فَلَا أَرَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ، وَيُهْدَمُ بُنْيَانُهُ إذَا أَضَرَّ جِدًّا، وَإِنْ كَانَتْ الطَّرِيقُ وَاسِعَةً جِدًّا كَبِيرَةً وَكَانَ الَّذِي أَخَذَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ جِدًّا الَّذِي لَا يَضُرُّ، وَلَا يَكُونُ فَسَادًا فِي صَغِيرِ مَا أَخَذَ وَسَعَةِ الطَّرِيقِ وَكَثْرَتِهِ فَلَا أَرَى أَنْ يُهْدَمَ بُنْيَانُهُ، وَلَا يُعْرَضَ لَهُ، وَقَدْ سَأَلْت أَشْهَبَ عَنْهَا بِعَيْنِهَا وَنَزَلَتْ عِنْدَنَا فَكَانَ هَذَا رَأْيِي فِيهَا فَسَأَلْته عَنْهَا فَقَالَ لِي مِثْلَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مِنْ قَوْلِ أَصْبَغَ وَرِوَايَتِهِ عَنْ أَشْهَبَ خِلَافُ مَا مَضَى قَبْلَ هَذَا فِي سَمَاعِ زُونَانَ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ مُجَوَّدًا مُسْتَوْفًى فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَتِهِ هُنَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِكَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ مُخْتَصِرًا فَقَالَ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يُبَاحُ لِذِي الْفِنَاءِ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي دَارِهِ فَإِنْ فَعَلَ وَهُوَ يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ هُدِمَ عَلَيْهِ وَرُدَّ كَمَا كَانَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ فَفِي هَدْمِهِ قَوْلَانِ لِسَمَاعِ زُونَانَ ابْنُ وَهْبٍ مَعَ أَشْهَبَ وَأَصْبَغُ مَعَ سَمَاعِهِ مِنْ أَشْهَبَ، وَالْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ أَكْثَرُ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ انْتَهَى.

وَقَدْ اسْتَوْفَى ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ الْكُبْرَى الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَسَائِلِ الِاحْتِسَابِ فِي تَرْجَمَةِ الِاحْتِسَابِ عَلَى ابْنِ السَّلِيمِ فِيمَا اقْتَطَعَهُ مِنْ الْمَحَجَّةِ وَضَمَّهُ إلَى جَنَّتِهِ وَذَكَرَ النَّازِلَةَ بِقُرْطُبَةَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَذَكَرَ فَتَاوَى الْمَشَايِخِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَنْ مَسْأَلَةِ الْعُتْبِيَّةِ، وَقَدْ نَقَلَ فِي أَثْنَاءِ جَوَابِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَّ أَبَاهُ أَصْبَغَ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يُهْدَمُ مَا لَا يَضُرُّ إلَى أَنَّهُ يُهْدَمُ.

وَنَصُّهُ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ أَنَّ أَبَاهُ أَصْبَغَ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِيمَنْ اقْتَطَعَ مِنْ أَفْنِيَةِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، وَأَدْخَلَهُ فِي دَارِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ وَاسِعًا رَحْرَاحًا أَنَّهُ لَا يُهْدَمُ فَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: وَيُهْدَمُ وَيُرَدُّ إلَى حَالَتِهِ، وَقَالَ: إنَّ الْأَفْنِيَةَ، وَالطَّرِيقَ كَالْأَحْبَاسِ لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَ فِيهَا حَدَثًا إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ، وَاضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ ابْنِ غَالِبٍ فِي أَثْنَاءِ جَوَابِهِ مَا نَصُّهُ: وَرَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَدْ ذَهَبَ إلَى اخْتِيَارِ قَوْلِ أَصْبَغَ: إنَّهُ لَا يُهْدَمُ عَلَى الْمُقْتَطِعِ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مَا اقْتَطَعَ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا رَحْرَاحًا فَاخْتَارَ بِرَأْيِهِ مَا رَآهُ صَوَابًا.

وَاَلَّذِي نَرَاهُ، وَاَللَّهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ اتِّبَاعُ قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ يَعْنِي الْهَدْمَ وَهُوَ إلَى التَّوْفِيقِ أَقْرَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْعَجَبُ مِنْ الَّذِي اخْتَارَ قَوْلَ أَصْبَغَ كَيْفَ فَارَقَ قَوْلَ عُمَرَ الْمَعْرُوفَ عَنْهُ وَمَا عَلِمْتَهُ أَرْخَصَ فِيهَا لِأَحَدٍ قَطُّ وَمَا أَظُنُّ بِهِ إلَّا أَنَّهُ اجْتَهَدَ، وَاَللَّهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ ثُمَّ قَالَ فِي آخَرِ كَلَامِهِ بَعْدَ ذِكْرِ أَجْوِبَتِهِمْ: وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِهِ بِأَحْسَنِ مَسَاقٍ وَأَقْرَبِ أَلْفَاظٍ وَأَبْيَنِ مَعَانٍ مِمَّا وَقَعَ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ كُلُّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015