الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ فَمَرَّةً رَأَى مَالِكٌ النِّيَّةَ فِي ذَلِكَ مُحْتَمَلَةً فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَصَدَّقَهُ فِيهَا وَمَرَّةً رَآهَا بَعِيدَةً، وَالْأَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ قَصَدَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ سُؤَالِهِ إيَّاهُ الشَّرِكَةَ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ هُوَ الَّذِي سَأَلَهُ أَنْ يُسَلِّفَهُ وَيُشَارِكَهُ لَوَجَبَ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ نِيَّتِهِ فِي ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا يُؤْمَرُ بِهِ ابْتِدَاءً، وَيُنْهَى عَنْهُ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ بِسَلَفِهِ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ لِيَأْخُذَ سَلَفَهُ مُعَجَّلًا إنْ كَانَ ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا، أَوْ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ عَرْضًا وَفَاتَ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ ابْتِدَاءً لَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ ابْتِدَاءً، وَيُنْهَى عَنْ الْفِعْلِ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَأْخُذُ سَلَفَهُ مُعَجَّلًا انْتَهَى.
فَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى فَاتَتْ الشَّرِكَةُ، وَعَمِلَا فَلِلْمُقْرِضِ رِبْحُ الْمِائَةِ الْقَرْضِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَرِضُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الِانْفِرَادَ فِي الْعَمَلِ فَلَهُ رِبْحُ الْمِائَةِ الْقَرْضِ، وَلَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ فِي مِائَةِ صَاحِبِهِ هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْهُ.
فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ إثْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي مَالٍ لَهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ فِيهِ لِأَحَدِهِمَا مِائَةٌ، وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْمِائَةِ دَعَا صَاحِبَ الْخَمْسِينَ إلَى أَنْ يُسَلِّفَهُ نِصْفَ الْخَمْسِينَ الَّتِي يَفْضُلُهُ بِهَا حَتَّى يَسْتَوِيَا فِي الشَّرِكَةِ قَالَ: إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ شَرْطِ الْمُشَارَكَةِ، وَلَا لِحَاجَةٍ مِنْ الْمُسَلِّفِ الَّذِي أَسْلَفَهُ فِي بَصَرٍ، وَلَا عَلَى شَيْءٍ إلَّا الرِّفْقَ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي أَصْلِ الشَّرِكَةِ فَلَا يَجُوزُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي أَصْلِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ لِي مِائَةُ دِينَارٍ فَأَنَا أُسْلِفُك مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَلَى أَنْ تُشَارِكَنِي بِأَنْ أُخْرِجُ أَنَا بِالْخَمْسَةِ وَالسَّبْعِينَ الْبَاقِيَةِ لِي وَتُخْرِجُ أَنْتَ مِثْلَهَا بِالْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي أَسْلَفْتُك فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسَلِّفَ قَصَدَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ فَكَانَ ذَلِكَ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ الشَّرِكَةَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ هَذَا مِائَةً، وَهَذَا خَمْسِينَ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ لَمَا جَازَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ الَّتِي لَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ أَنْ يَقُولَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ، أَوْ بَعْدَهُ إذَا قَالَهُ عَلَى وَجْهِ غَيْرِ الشَّرْطِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ تَعَالَ أُسْلِفُكَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَتُضِيفُهَا إلَى الْخَمْسِينَ الَّتِي لَك فَأُخْرِجُ أَنَا خَمْسَةً وَسَبْعِينَ مِثْلَهَا فَنَشْتَرِكُ فِيهَا، أَوْ يَقُولَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ الشَّرِكَةَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ هُوَ مِائَتَهُ، وَهَذَا خَمْسِينُهُ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهَا عَلَى الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ ابْتِدَاءً كَانَ الْأَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ قَصَدَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ فَصُدِّقَ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَاهُ حَسْبَمَا مَضَى فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَإِذَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ إذْ قَدْ رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِكُ هُوَ الَّذِي سَأَلَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ الشَّرِكَةَ، وَاشْتَرَيَا بِهَا عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ مَبْلَغُ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا لَكَانَ ذَلِكَ بَيْعًا جَائِزًا، أَوْ إنْ سَمَّيَاهُ سَلَفًا؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ سُدُسَ الْعُرُوضِ بِالْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي سَمَّيَاهُ سَلَفًا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَغَيْرُهُ حَاضِرٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ مِنْ تُجَّارِهِ) ش يُرِيدُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ