الرِّوَايَةِ وَظَاهِرُ مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ جَائِزٌ، وَأَمَّا جُرْحُ الْعَمْدِ فَمَا فِيهِ الْقِصَاصُ فَالْمُصَالَحَةُ فِيهِ عَلَى وَضْعِ الْمَوْتِ جَائِزَةٌ عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ خِلَافُ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالْجَوَازُ فِيهَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ دَمِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ جَازَ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ بِمَا شَاءَ، وَأَمَّا جِرَاحُ الْعَمْدِ الَّتِي لَا قِصَاصَ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهَا عَلَى الْمَوْتِ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ، وَلَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصَّ خِلَافٍ، وَأَمَّا الصُّلْحُ فِيهَا عَلَى الْجُرْحِ دُونَ الْمَوْتِ فَأَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَا لَهُ دِيَةٌ مُسَمَّاةٌ كَالْمَأْمُومَةِ وَالْمُنَقِّلَةُ، وَالْجَائِفَةِ قَالَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ: إنَّ الصُّلْحَ فِيهَا جَائِزٌ عَلَى مَا تَرَامَى إلَيْهِ مِمَّا دُونَ النَّفْسِ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا بِعَيْنِهِ لَا عَلَى مَا تَرَامَى إلَيْهِ مِنْ زِيَادَةٍ، وَلَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ فِيمَا لَا دِيَةَ لَهُ مُسَمَّاةً إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ فَهَذَا تَحْصِيلُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ بِرُمَّتِهِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا ابْنُ عَرَفَةَ هُنَاكَ، وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ هُنَاكَ أَيْضًا مُخْتَصَرًا وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ وَجَبَ لِمَرِيضٍ عَلَى رَجُلٍ جُرِحَ عَمْدًا فَصَالَحَ فِي مَرَضِهِ بِأَرْشِهِ، أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ وَلَزِمَ، وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إنْ صَالَحَ عَلَيْهِ لَا مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ تَأْوِيلَانِ لَيْسَ مُعَارِضًا لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى وَقَعَ الصُّلْحُ فِيهَا عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ.
ثُمَّ نَزَّى فِيهِ وَمَاتَ مِنْهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَكَلَّمَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ إذَا وَقَعَ مِنْ الْمَرِيضِ عَلَى جُرْحِهِ عَمْدًا وَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَا مِنْ الْجُرْحِ إنَّ الصُّلْحَ جَائِزٌ لَازِمٌ وَلَا يُقَالُ هَذَا صُلْحٌ وَقَعَ مِنْ الْمَرِيضِ فَيُنْظَرُ فِيهِ هَلْ فِيهِ مُحَابَاةٌ أَمْ لَا، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ هَلْ هُوَ جَائِزٌ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ صَالَحَ الْمَرِيضُ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ دُونَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ، أَوْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ، أَوْ إنَّمَا يَجُوزُ صُلْحُهُ إذَا كَانَ عَلَى الْجَرْحِ فَقَطْ، وَأَمَّا إنْ صَالَحَ عَلَى الْجُرْحِ وَعَلَى مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ تَأْوِيلَانِ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الثَّانِي إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ جَازَ فَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَزِمَ الصُّلْحُ الْوَرَثَةَ، وَإِنْ تَرَامَى فِي الْجُرْحِ فَمَاتَ فَالْحُكْمُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، وَيَعْمَلُ فِيهَا بِمُقْتَضَى الْحُكْمِ لَوْ لَمْ يَكُنْ صُلْحٌ وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ الصُّلْحُ مُطْلَقًا إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ فَالْحُكْمُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَزِمَ الصُّلْحُ، وَإِنْ تَرَامَى فِيهِ فَكَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ لَزِمَ الصُّلْحُ، وَإِنْ نَزَّى فِيهِ، وَمَاتَ مِنْهُ فَلَا كَلَامَ لِلْأَوْلِيَاءِ وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ، ثُمَّ نَزَّى فِيهِ وَمَاتَ أَنَّ الصُّلْحَ لَازِمٌ لِلْوَرَثَةِ إذْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالتَّأْوِيلَانِ ذَكَرَهُمَا عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ، وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَوَّلًا، وَإِذَا وَجَبَ لِمَرِيضٍ عَلَى رَجُلٍ جِرَاحَةٌ عَمْدًا فَصَالَحَ فِي مَرَضِهِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ، أَوْ مِنْ أَرْشِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَازِمٌ إذْ لِلْمَقْتُولِ الْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِي مَرَضِهِ وَأَنْ يَدَعَ مَالًا اهـ.
قَالَ عِيَاضٌ تَأَوَّلَهَا الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْجِرَاحَةِ فَقَطْ لَا عَلَى الْمَوْتِ وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ الْعَطَّارِ عَلَى مَآلِ الْمَوْتِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ التَّأْوِيلَيْنِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ بَعْدَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَأَوَّلَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهَا ابْنُ الْعَطَّارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ وَسَقَطَ الْقَتْلُ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ قُتِلَ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ حِصَّتِهِ بِالدِّيَةِ كُلِّهَا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَلِلْوَلِيِّ الْآخَرِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِيمَا صَالَحَ بِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْقَاتِلِ عَلَى حِسَابِ دِيَةِ الْعَمْدِ وَيَضُمَّهُ إلَى مَا صَالَحَ بِهِ صَاحِبُهُ وَيَقْتَسِمُونَ الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُصَالَحُ بِهِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي بَابِ الدِّيَاتِ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ لِلْمُصَالِحِ مَا صَالَحَ بِهِ وَيَتْبَعَ الْقَاتِلَ بِحِصَّتِهِ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّ مَنْ صَالَحَ عَلَى شَيْءٍ اخْتَصَّ بِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَالَ فِيهَا، وَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا لَهُ