مِنِّي مِنْ حَقٍّ وَاجِبٍ لَكَ فَبَقَاءُ الْوَثِيقَةِ وَقِيَامُهُ بِهَا يُسْقِطُ هَذِهِ الدَّعْوَى الَّتِي تَلْزَمُهُ، وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقِيمُ ذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنِي عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَمَا أَشُكُّ أَنْ يَكُونَ فِي كَلَامٍ سَمِعَهُ مِنْهُ مِنْ آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ مُحَمَّد بْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ يَرَى لَهُ مِنْ الْحَقِّ أَخْذُ الْوَثِيقَةِ وَقَطْعُهَا وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْعُتْبِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْبَابِ الثَّانِي وَالسِّتِّينَ: وَلِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَخْذُ وَثِيقَةِ الدَّيْنِ مِنْ صَاحِبِهَا، أَوْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِتَقْطِيعِهَا، وَقَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ وَنَحْوُهُ فِي الْوَاضِحَةِ وَكِتَابِ الْحُدَّانِيِّ وَبِهِ الْقَضَاءُ، وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَقْطَعُ وَثِيقَةَ الدَّيْنِ وَلَا يُجْبَرُ رَبُّهَا عَلَى إعْطَائِهَا، وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بَرَاءَةً فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الشُّهُودُ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ فِي وَثَائِق ابْنِ الْهِنْدِيِّ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَى كَاذِبَةً.
وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ: فِي امْرَأَةٍ قَامَتْ بِصَدَاقٍ لَمْ تُثْبِتْهُ فَحَلَفَ الزَّوْجُ وَدَعَا إلَى قَطْعِهِ، وَأَرَادَتْ الزَّوْجَةُ حَبْسَ الصَّدَاقِ بِيَدِهَا فَأَفْتَى ابْنُ لُبَابَةَ أَنَّهُ يُجَابُ إلَى تَقْطِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ بِيَمِينِهِ لِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ، وَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ فَلْيُقْطَعْ، ثُمَّ قَالَ: إذَا دَفَعَ إلَى الْمُطَلَّقَةِ، أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا كَالِئُهَا لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَدْفَعَ كِتَابَ صَدَاقِهَا إلَى الزَّوْجِ وَلَا إلَى وَرَثَتِهِ لِمَا فِي حَبْسِ صَدَاقِهَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِسَبَبِ الشُّرُوطِ الَّتِي لَهَا فِيهِ إنْ كَانَتْ وَلِأَجْلِ لُحُوقِ النَّسَبِ، أَوْ الْحَمْلِ إنْ كَانَ حَمْلٌ بَعْدَ مَوْتِهِ وَفِي حَيَاتِهِ إلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ بِدَفْعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهَا بِذَلِكَ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ؛ لِأَنَّ بِهِ ثَبَتَ نِكَاحُهَا وَبِهِ تَأْخُذُ مِيرَاثَهَا وَتَدْفَعُ بَعْدَ الْيَوْمِ مِنْ دَافِعِهَا عَمَّا وَرِثَ، أَمَّا لَوْ قَامَتْ بِبَاقِي الْمَهْرِ فِي كِتَابٍ غَيْرِ كِتَابِ نِكَاحِهَا فَأَخَذَتْ بِهِ مَا كَانَ لَهَا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهَا وَيُقْطَعُ عَنْ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ أَخَذَتْ بِهِ أَرْضًا أَوْ عَقَارًا مِنْ عَقَارِهِ لَمْ يُؤْخَذْ ذَلِكَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ بِهِ تَدْفَعُ الْيَوْمَ مِنْ دَافِعِهَا عَنْ ذَلِكَ وَمَا يُشْبِهُهُ مِمَّا يُلْتَمَسُ التَّوَثُّقُ بِهِ وَعَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يَسْتَوْثِقُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِالْإِشْهَادِ وَذِكْرِ الْكِتَابِ الَّذِي بِيَدِهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَبِهِ أَقُولُ وَهَذَا أَحَبُّ مَا فِيهِ إلَيَّ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ أَخْذِهِ وَتَقْطِيعِهِ
، وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ فِيمَنْ مَاتَ وَقَامَتْ امْرَأَتُهُ بِكِتَابِ مَهْرِهَا فَأَخَذَتْ بِهِ بَاقِيهِ فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ تَقْطِيعَهَا فَإِنَّ لَهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَتْ: بِهِ أَدْفَعُ بَعْدَ الْيَوْمِ مَنْ دَافَعَنِي عَمَّا أَخَذْت. ذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ سَهْلٍ، وَقَالَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ الزَّوْجُ بِالْمَرْأَةِ وَأَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا وَلَا وَطِئَهَا فَإِنَّ الصَّدَاقَ يُقْطَعُ اهـ. نَقَلَهُ الْمَشَذَّالِيُّ بِرُمَّتِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَزَادَ بَعْدَهُ قُلْت سُئِلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَمَّنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ بِصَكٍّ وَتَنَازَعَ الْمِدْيَانُ وَرَبُّ السِّلْعَةِ فِي تَقْطِيعِهِ، أَوْ تَبْطِيلِهِ وَبَقَائِهِ عِنْدَ رَبِّهِ فَمَا الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ؟ قَالَ: عَلَى الثَّانِي خَوْفٌ لَوْ قَطَعْنَاهُ أَنْ يَسْأَلَ الْمِدْيَانُ رَبَّ الدَّيْنِ هَلْ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ: قَبَضْت وَلَكِنْ مِنْ دَيْنٍ كَانَ لِي عَلَيْكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَقْبِضْ حَلَفَ يَمِينَ غَمُوسٍ اهـ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَقَضَى بِأَخْذِ الْمَدِينِ يُرِيدُ بَعْدَ خَصْمِهِمَا، ثُمَّ تُدْفَعُ لِلْمَدِينِ، قَالَ فِي الشَّامِلِ وَصَوَّبَ خَصْمَ الْوَثِيقَةِ مَعَ الدَّفْعِ اهـ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمَشَذَّالِيِّ أَوْ تَبْطِيلُهُ.
(الثَّانِي) قَالَ: فِي الذَّخِيرَةِ إذَا طَلَبَ الْمُصَالِحُ أَخْذَ الْوَثِيقَةِ الَّتِي صَالَحَ عَلَيْهَا فَلِلْآخَرِ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهَا تَشْهَدُ لَهُ بِمَالِ الصُّلْحِ لِثُبُوتِ أَصْلِ الْحَقِّ وَيَكْتُبُ الْآخَرُ وَثِيقَةً بِتَارِيخٍ مُتَأَخِّرٍ يَشْهَدُ لَهُ بِصُلْحِهِ. قَالَهُ: مُطَرِّفٌ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَانْظُرْ تَبْصِرَةَ ابْنِ فَرْحُونٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ: وَأَمَّا إذَا أَبَى الَّذِي بِيَدِهِ الْوَثِيقَةُ مِنْ الْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِ مَا فِيهَا، وَقَالَ لِلَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ: خُذْ الْوَثِيقَةَ، أَوْ قَطِّعْهَا فَتِلْكَ بَرَاءَتُك فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ يَقُومُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا مَسْأَلَةُ رَسْمِ الْعَرِيَّةِ اهـ.
ص (وَلِرَاهِنٍ بِيَدِهِ رَهْنُهُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ)
ش: هَذَا