ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْ كَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ قَبَضْته مُبْهَمًا فَقَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فِي آخِرِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ مُبْهَمٌ مَعَ يَمِينِهِ وَيُفْضِ عَلَى الْمَالَيْنِ أَوْ الْأَمْوَالِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِبْهَامِ فَيُفْضِ ذَلِكَ عَلَى الْمَالَيْنِ مِنْ بَابِ أَوْلَى اهـ. بِالْمَعْنَى (الثَّانِي) قَالَ فِي نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ: وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ دَنَانِيرُ، أَوْ دَرَاهِمُ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ لَمْ يُعْرَفْ بِعَيْنِهِ عَلَى رَجُلٍ وَعَلَى ابْنِهِ فَدَفَعَ الْأَبُ مَا عَلَيْهِ إلَى ابْنِهِ لِيَدْفَعَهُ إلَى الْغَرِيمِ فَقَالَ لَهُ: هَذَا مَا لَكَ عَلَى أَبِي، ثُمَّ ادَّعَى الْغَرِيمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا قَبَضَهُ مِنْ الِابْنِ قَضَاءً عَنْهُ، وَأَنَّهُ مَا قَالَ الِابْنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَرِيمِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الِابْنُ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: هَذَا الْحَقُّ عَنْ أَبِي (قُلْت) : فَإِنْ أَتَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَمْرِ أَبِيهِ أَنَّهُ يَدْفَعُ ذَلِكَ عَنْهُ؟ قَالَ: لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الدَّفْعِ كَانَ عَلَى الْأَمْرِ بَيِّنَةٌ، أَوْ لَمْ تَكُنْ قَالَ عِيسَى: إلَّا أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي قُضِيَ شَيْءُ أَبِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَهُ لِأَنَّ الِابْنَ مُدَّعٍ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ قَضَاهُ الْحَقَّ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى أَبِيهِ، وَقَدْ حَكَمَتْ السُّنَّةُ أَنَّ «الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» اهـ.
(الثَّالِثُ) حَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعَارِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ فِيمَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ عَشَرَةٌ، وَلِرَجُلٍ آخَرَ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ وَوَكَّلَا مَنْ يَقْضِي مِنْهُ الْعِشْرِينَ فَاقْتَضَى عَشَرَةً، ثُمَّ فَلَّسَ، وَقَالَ الْوَكِيلُ: هِيَ لِفُلَانٍ، وَقَالَ الْغَرِيمُ: لِلْآخَرِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: قَبُولُ قَوْلِ الْوَكِيلِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَشَرَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْوَكِيلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (بَابٌ) (لِلْغَرِيمِ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ)
ش: هَذَا بَابُ التَّفْلِيسِ قَالَ: فِي الذَّخِيرَةِ: وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْفُلُوسِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ النُّقُودِ كَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يُتْرَكْ لَهُ شَيْءٌ يَتَصَرَّفُ فِيهِ إلَّا التَّافِهُ مِنْ مَالِهِ اهـ. وَفِي أَبِي الْحَسَنِ قَالَ عِيَاضٌ: التَّفْلِيسُ: الْعَدَمُ وَأَصْلُهُ مِنْ الْفُلُوسِ أَيْ أَنَّهُ صَاحِبُ فُلُوسٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَا ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَنْ عَدِمَ الْمَالَ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ أَفْلَسَ الرَّجُلُ بِفَتْحِ اللَّامِ فَهُوَ مُفْلِسٌ اهـ. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ التَّفْلِيسُ: الْعَدَمُ وَالتَّفْلِيسُ خَلْعُ الرَّجُلِ مِنْ مَالِهِ لِغُرَمَائِهِ وَالْمُفْلِسُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْفَلَسِ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ اهـ.
(فَوَائِدُ الْأُولَى) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ} [البقرة: 282] ، وَقَالَ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ التَّدَايُنِ وَذَلِكَ إذَا تَدَايَنَ فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا فَسَادٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّ ذِمَّتَهُ تَفِي بِمَا يُدَانُ، ثُمَّ قَالَ: «وَقَدْ اسْتَعَاذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الدَّيْنِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ» ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ فَإِنَّ أَوَّلَهُ هَمٌّ وَآخِرَهُ حَرَبٌ وَحَرَبٌ: بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَرُوِيَ سُكُونِ الرَّاءِ أَيْ: نِزَاعٌ.
(الثَّانِيَةُ) ذَكَرَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آثَارًا فِي التَّشْدِيدِ فِي الدَّيْنِ، ثُمَّ قَالَ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآثَارُ إنَّمَا وَرَدَتْ فِيمَنْ تَدَايَنَ فِي سَرَفٍ، أَوْ فَسَادٍ غَيْرِ مُبَاحٍ، أَوْ فِيمَنْ تَدَايَنَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَفِي بِمَا تَدَايَنَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ قَصَدَ اسْتِهْلَاكَ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ هَذَا كُلَّهُ إنَّمَا كَانَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدَّيْنِ قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ وَنُزُولِ آيَةِ الْفَيْءِ وَالْخُمُسِ
(الثَّالِثَةُ) قَالَ فِيهَا أَيْضًا: فَكُلُّ مَنْ ادَّانَ فِي مُبَاحٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذِمَّتَهُ تَفِي بِمَا ادَّانَ فَغَلَبَهُ الدَّيْنُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَدَائِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ، أَوْ مِنْ الصَّدَقَاتِ مَحَلُّهَا إنْ رَأَى ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ إنْ جَعَلَ الزَّكَاةَ كُلَّهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ، وَقَدْ قِيلَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ دَيْنَ الْمَيِّتِ مِنْ الزَّكَاةِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنَّمَا يُؤَدِّي الْإِمَامُ دَيْنَ