سَمَاعِ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ مَسْأَلَةٌ وَسُئِلَ أَشْهَبُ عَنْ رَجُلٍ أَتَى بِمَكَّةَ إلَى زَمْزَمَ فَوَجَدَ رَجُلًا مَعَهُ قَدَحٌ فَقَالَ نَاوِلْنِي قَدَحَك هَذَا فَقَالَ: إنِّي أَخَافُ عَلَيْهِ فَقَالَ: هَذَا كِسَائِي عِنْدَكَ حَتَّى أَعُودَ إلَيْكَ بِهِ فَوَضَعَ الْكِسَاءَ وَأَخْرَجَ الْقَدَحَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَجِدْ الرَّجُلَ قَالَ لَوْ أَتَى السُّلْطَانَ حَتَّى يَأْمُرَهُ إنْ كَانَ صَادِقًا أَنْ يَبِيعَ الْقَدَحَ، وَيَقْبِضَ ثَمَنَهُ مِنْ الثَّوْبِ قِيلَ لَهُ: هُوَ صَادِقٌ وَهَذَا صَحِيحٌ وَلَا يَقْبِضُهُ لِنَفْسِهِ دُونَ السُّلْطَانِ قِيلَ لَهُ وَيَأْمُرُهُ السُّلْطَانُ قَالَ: نَعَمْ يَأْمُرُهُ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ عَلَى الْغَائِبِ وَيَقُولُ لَهُ: إنْ كُنْتَ صَادِقًا فَافْعَلْ فَإِنْ جَاءَ الرَّجُلُ كَانَ عَلَى خُصُومَتِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَعَتْ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ عَلَى أُصُولِهِمْ وَعَلَى مَعْنَى مَا فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى مَا قَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ فَإِنْ بَاعَ الْقَدَحَ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ وَقَضَى ثَمَنَهُ مِنْ ثَمَنِ كِسَائِهِ أَيْ مِنْ قِيمَتِهِ فَقَدِمَ صَاحِبُ الْقَدَحِ بِالْكِسَاءِ، وَأَقَرَّ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْقَدَحِ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مَا بَاعَ بِهِ الْقَدَحَ لِبَيْعِهِ إيَّاهُ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ وَلَوْ بَاعَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَكَانَتْ لَهُ قِيمَتُهُ، وَإِنْ ادَّعَى الْقَدَحَ وَأَنْكَرَ الْكِسَاءَ حَلَفَ فِي الْكِسَاءِ وَأَخَذَ قِيمَةَ قَدَحِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْكِسَاءِ وَادَّعَى الْقَدَحَ وَأَنْكَرَ الرَّهْنَ فِيهِ حَلَفَ عَلَى إنْكَارِ الرَّهْنِ فِيهِ وَرَدَّ الْكِسَاءَ وَأَخَذَ قِيمَةَ قَدَحِهِ أَيْضًا، وَهَذَا خِلَافُ مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ لِلْمُرْتَهِنِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ الرَّهْنُ وَالدَّيْنُ وَمِلْكُ الرَّاهِنِ لَهُ وَيُحَلِّفُهُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَا وَهَبَ دَيْنَهُ وَلَا قَبَضَهُ وَلَا أَحَالَ بِهِ وَإِنَّهُ لِبَاقٍ عَلَيْهِ إلَى حِينِ قِيَامِهِ وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ مِنْ هَذَا هُوَ أَصْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي مَسْأَلَةِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا اهـ.
وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيَثْبُتُ اسْتِمْرَارُ مِلْكِ الرَّاهِنِ إلَى حِينِ حَوْزِ الْمُرْتَهِنِ لَهُ وَصِحَّةِ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَازَهُ بِمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ نَقَلَهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مِنْ شَرْحِ وَالِدِهِ وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى أَحْكَامٍ تَتَوَقَّفُ سَمَاعُ الدَّعْوَى عَلَيْهَا آخِرَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ قَوْلِهِ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ الْقَاضِيَ إلَى قَوْلِهِ حِينَ قِيَامِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَتَحْصُلُ فِي إثْبَاتِ مِلْكِ الرَّهْنِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ جَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَفَتْوَى بَعْضِ أَصْحَابِ ابْنِ عَاتٍ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْآخَرُ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، (وَالثَّالِثُ) اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ (وَالرَّابِعُ) : فَتْوَى ابْنِ عَتَّابٍ وَكَذَا حَصَّلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ.
(فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) هَلْ يَتَوَقَّفُ بَيْعُ الْحَاكِمِ عَلَى إثْبَاتِ أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي سَوَّمَهُ قِيمَةُ مِثْلِهِ، اخْتِيَارُ ابْنِ عَرَفَةَ عَدَمُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ اخْتَارَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى مَا يُبَاعُ عَلَيْهِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ النَّصَّ عَنْ ابْنِ يُونُسَ بِخِلَافِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا اخْتَارَ مَا ذُكِرَ لِأَخْذِهِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي ذَكَرَهُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ وَعَلَى مُوَافَقَةِ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ فَرَاجِعْهُ.
(الثَّانِي) اُنْظُرْ هَلْ يُبَاعُ الرَّهْنُ جَمِيعُهُ، أَوْ يُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُوَفِّي الدَّيْنَ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا صَرِيحًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ بَيْعُ بَعْضِهِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ فِي الْبَاقِي فَإِنَّهُ يُبَاعُ بَعْضُهُ وَإِلَّا فَيُبَاعُ جَمِيعُهُ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي مَسْأَلَةِ رَهْنِ فَضْلَةِ الرَّهْنِ أَنَّهُ إذَا حَلَّ الثَّانِي أَوَّلًا أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ قَسْمُهُ قُسِمَ، وَإِلَّا بِيعَ جَمِيعُهُ وَفِي مَسْأَلَةِ الرَّجُلَيْنِ يَرْهَنَانِ مِنْ رَجُلٍ رَهْنًا فَيُؤَخِّرُهُ أَحَدُهُمَا سَنَةً، وَيَقُومُ الْآخَرُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَنْقَسِمُ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ الْآخَرِ الَّذِي قَامَ بِحَقِّهِ بِيعَ لَهُ نِصْفُ الرَّهْنِ فَإِنْ خِيفَ أَنْ يَنْقُصَ بِيعَ كُلُّهُ وَأَعْطَى حَقَّهُ مِنْ ذَلِكَ ذَكَرَهَا فِي الْمُوَطَّإِ وَاللَّخْمِيِّ فِي آخِرِ الرُّهُونِ وَالْبَاجِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَفِي الْمُنْتَقَى: وَإِذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ فَبِيعَ بِغَيْرِ الْعَيْنِ مِنْ عَرْضٍ، أَوْ طَعَامٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ: إنْ بَاعَهُ بِمِثْلِ مَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ