كِتَابِ الرَّهْنِ قَوْلَيْنِ أَعْنِي عَلَى يُكْتَفَى بِمُعَايَنَةِ الْحَوْزِ، أَوْ التَّحْوِيزِ، وَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ الْحَوْزَ قَالَ: وَلَعَلَّ مَعْنَاهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِ خِلَافُهُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ أَنَّ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَهُمْ إذَا وُجِدَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقَدْ حَازَهُ كَانَ رَهْنًا، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا الْحِيَازَةَ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ: بِمُعَايَنَةٍ أَنَّهُ حَازَ يَحْتَمِلَ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْمُعَايَنَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى التَّحْوِيزِ اهـ. فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الِاحْتِمَالِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ بِمُعَايَنَةٍ أَنَّهُ حَازَ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِحَوْزِهِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا صِحَّةُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَفِيهَا دَلِيلُهُمَا، وَسَقَطَ اعْتِرَاضُ الشَّارِحِ وَابْنُ غَازِيٍّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَأَوَّلُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي: أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَآخِرُهُ يَقْتَضِي قَصْرَهُ عَلَى الْحَوْزِ فَقَطْ، وَنَصُّهُ إثْرَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مُجَرَّدَ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِحُصُولِ الرَّهْنِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ كَافٍ فِي الْحَوْزِ سَوَاءٌ كَانَ بِتَحْوِيزٍ مِنْ الرَّاهِنِ لَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ عِنْدِي صَحِيحٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ فِي الْمَعْنَى لِمَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ اهـ. وَذُكِرَ عَنْ الْبَاجِيِّ مِثْلُ مَا نُقِلَ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ اخْتَارَ الْحَوْزَ فَتَأَمَّلْهُ. وَبَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ ابْنُ عَاتٍ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَكَلَامُهُ الْمَذْكُورُ هُوَ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الثَّامِنِ فِي تَرْجَمَةِ قَرْضٍ، وَكَلَامُهُ فِيهَا أَتَمُّ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَصُّهُ، وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ إنْ كَانَتْ الْحِيَازَةُ بِالْمُعَايَنَةِ جَازَ وَيَخْرُجُ مِنْ إرَادَتِهِ إلَى إرَادَةِ الْمُرْتَهِنِ وَمِلْكِهِ، وَالْعَمَلُ عَلَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ بِيَدِهِ وَقَدْ حَازَهُ كَانَ رَهْنًا وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا الْحِيَازَةَ وَلَا عَايَنُوهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْبُوضًا وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ اهـ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ عُمِلَ أَشَارَ بِهِ لِكَلَامِ صَاحِبِ الطُّرَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَانْظُرْ رَسْمَ الرُّهُونِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هُنَاكَ فَإِنَّ فِيهِ شَيْئًا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

[مَسْأَلَةٌ اخْتِلَاف الْمُفْلِس مَعَ غُرَمَائِهِ]

(مَسْأَلَةٌ) سُئِلَ ابْنَ رُشْدٍ عَنْ مُفْلِسٍ وَجَدَ بِيَدِ بَعْضِ غُرَمَائِهِ مَتَاعٌ زَعَمَ أَنَّهُ رَهْنٌ عِنْدَهُ وَصَدَّقَهُ الْمُفْلِسُ وَنَازَعَهُ الْغُرَمَاءُ فَسَأَلَهُمْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ هُوَ عِنْدِي فَقَالُوا: لَا يَلْزَمُنَا، وَلَا نَدْرِي وَكَيْفَ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِمْ عِلْمَ الرَّهْنِ، وَفِيهِمْ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْعِلْمُ وَكَيْفَ إنْ خَاصَمَهُ بَعْضُهُمْ فِي الرَّهْنِ فَقَالَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا (فَأَجَابَ) لَا يُصَدَّقُ الْمُفْلِسُ بَعْدَ التَّفْلِيسِ فِي تَصْدِيقِهِ لِلَّذِي عِنْدَهُ الْمَتَاعُ فِي أَنَّهُ عِنْدَهُ رَهْنٌ رَهَنَهُ إيَّاهُ قَبْلَ التَّفْلِيسِ، وَيَتَحَاصُّ فِيهِ الْغُرَمَاءُ وَإِنْ قَالُوا لَا نَدْرِي مَا يَدَّعِي مِنْ أَنَّهُ رَهْنٌ رَهَنَهُ إيَّاهُ قَبْلَ التَّفْلِيسِ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَى ارْتِهَانِهِ إيَّاهُ قَبْلَ التَّفْلِيسِ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِمْ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِمْ الْيَمِينُ، وَلَا يَجْتَزِئُ بَعْضُهُمْ بِيَمِينِ بَعْضٍ، وَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ أَخَذَ مَا وَجَبَ لَهُ بِالْمُحَاصَّةِ وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ رَجَعَ حَظُّهُ فِيهِ إلَيْهِ بَعْدَ يَمِينِهِ اهـ.

مِنْ نَوَازِلِهِ، وَمِنْ النَّوَازِلِ الْمَذْكُورَةِ وَسَأَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ابْنَ رُشْدٍ عَنْ مُفْلِسٍ قَامَ بَعْضُ غُرَمَائِهِ بِعَقْدٍ يَتَضَمَّنُ رَهْنَهُ لِدَارِ سُكْنَاهُ قَبْلَ تَفْلِيسِهِ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِتَحْوِيزِ الْمِدْيَانِ الرَّاهِنِ لِلْغَرِيمِ، وَقَالَ سَائِرُ الْغُرَمَاءِ: لَمْ يَزَلْ الرَّاهِنُ عِنْدَهُ وَلَا فَارَقَهَا وَإِنَّهُ الْآنَ سَاكِنٌ فِيهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ تَحَيُّلٌ لِإِبْطَالِ حَقِّهِمْ وَشَهِدَ لَهُمْ جَمَاعَةُ الْجِيرَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْمِدْيَانَ الْمَذْكُورَ لَمْ يُفَارِقْ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ إلَّا حِينَ تَفْلِيسِهِ، وَكَشَفَ الْقَاضِي عَنْ الدَّارِ فَوَجَدَهَا مَشْغُولَةً بِأَهْلِ الرَّاهِنِ، وَأَثَاثِهِ فَوَقَفَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَأَنَا حُزْتُ رَهْنِي بِحَضْرَةِ بَيِّنَتِي، وَأَخَذْتُ الْمِفْتَاحَ وَأَكْرَيْتهَا مِنْ مُكْتَرٍ وَأَثْبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي الْكِرَاءَ الْمَذْكُورَ، وَإِنْ كَانَ الْمِدْيَانُ قَدْ رَجَعَ إلَيْهَا فَقَدْ افْتَاتَ عَلَيَّ، وَلَمْ أَعْلَمْ بِهِ وَجَهَالَتُهُ بِذَلِكَ تَبْعُدُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَصُورَةُ الْحَالِ وَشَهَادَةُ بَعْضِ الْجِيرَانِ بِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ عَالِمٌ بِكَوْنِ الْمِدْيَانِ فِي الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَاجْتِمَاعِهِ بِهِ فِيهَا فَهَلْ يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي الْحِيَازَةِ (فَأَجَابَ) مَا ذَكَرْتُهُ فِيهِ مُوهِنٌ لِلْحِيَازَةِ قَادِحٌ فِيهَا وَمُؤَثِّرٌ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015