وَأَبُو الْحَسَنِ بَعْدَ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَنَصُّ مَا عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ قُلْت كَيْفَ يَتَحَاسَبَانِ إذَا انْقَطَعَ اللَّبَنُ وَالثَّمَرَةُ عَلَى قِيمَةِ مَا قَبَضَ وَمَا بَقِيَ أَمْ عَلَى الْكَيْلِ الَّذِي قَبَضَ وَالْكَيْلِ الَّذِي بَقِيَ قَالَهُ بَلْ عَلَى كَيْلِ مَا قَبَضَ وَمَا بَقِيَ وَلَا يُنْظَرُ فِي هَذَا أَنَّهُ إلَى الْقِيمَةِ فِي الَّذِي يَبْتَاعُ لَبَنَ غَنَمٍ جُزَافًا أَيَّامًا مَعْدُودَةً فَيَحْلُبُهَا أَيَّامًا، ثُمَّ تَمُوتُ أَوْ يَمُوتُ بَعْضُهَا وَحَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا يُحْسَبُ عَلَى الْقِيمَةِ لَا عَلَى الْكَيْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَأْخُذُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَجِدَهُ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مُسَمًّى فَهَذَا يَجِبُ عَلَى الْكَيْلِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَهَلْ عَلَى الْمَكِيلَةِ أَوْ الْقِيمَةِ إلَّا بِشَرْطِ جَدِّهِ فِي يَوْمٍ فَعَلَى الْمَكِيلَةِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَرُجِّحَ تَأْوِيلَانِ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ إذَا سَلَّمَهُ مَثَلًا فِي عَشْرَةِ آصُعٍ مِنْ الرُّطَبِ وَقَبَضَ خَمْسَةً مَثَلًا، ثُمَّ انْقَطَعَ ثَمَرُ الْحَائِطِ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى حَسَبِ الْمَكِيلَةِ فَيُقَالُ قَبَضَ النِّصْفَ وَيَرْجِعُ بِمَا يَنُوبُ النِّصْفَ الثَّانِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ يُقَالُ الْخَمْسَةُ الَّتِي قَبَضَهَا تُسَاوِي ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَقِيمَتُهَا أَغَلَا فَيَرْجِعُ بِرُبْعِ رَأْسِ الْمَالِ قِيمَةُ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ (تَنْبِيهٌ) فَإِنْ قُلْتُ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ جَدُّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ (قُلْت) إنَّمَا سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ جَدَّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَمْ تَخْتَلِفْ قِيمَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَالشِّرَاءُ مِنْ دَائِمِ الْعَمَلِ كَالْخَبَّازِ، وَهُوَ بَيْعٌ وَإِنْ لَمْ يَدُمْ فَسَلَمٌ)
ش: هَذِهِ تُسَمَّى بَيْعَةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِاشْتِهَارِهَا بَيْنَهُمْ وَالْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي أَوَائِلِ السَّلَمِ قَالَ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ: وَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ اللَّحْمَ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ أَخَذَ كُلَّ يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا وَيَشْرَعُ فِي الْأَخْذِ وَيَتَأَخَّرُ الثَّمَنُ إلَى الْعَطَاءِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ يُسَمَّى مَا يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ وَكَانَ الْعَطَاءُ يَوْمَئِذٍ مَأْمُونًا وَلَمْ يَرَوْهُ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَاسْتَخْفَوْهُ انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ الشُّرُوعُ الْعَشَرَةُ الْأَيَّامُ وَنَحْوُهَا، وَقَالَ فِي رَسْمِ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ:
وَحَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمِجْمَرِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَبْتَاعُ اللَّحْمَ مِنْ الْجَزَّارِينَ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ نَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ رِطْلًا أَوْ رِطْلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَدْفَعُوا الثَّمَنَ مِنْ الْعَطَاءِ قَالَ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ حَسَنًا قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا إذَا كَانَ الْعَطَاءُ مَأْمُونًا وَكَانَ الثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ فَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كُنَّا إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ مَشْهُورٌ وَلِاشْتِهَارِ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ سُمِّيَ بَيْعَةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهَذَا أَجَازَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ اتِّبَاعًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِالْمَدِينَةِ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَشْرَعَ فِي أَخْذِ مَا أُسْلِمَ فِيهِ وَأَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ عِنْدَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ عَلَى مَا قَالَهُ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ السَّلَمِ وَالْآجَالِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَحْضُ سَلَمٍ وَلِذَلِكَ جَازَ تَأْخِيرُ رَأْسِ الْمَالِ إلَيْهِ فِيهِ وَلَا شِرَاءُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ حَقِيقَةً وَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَتَأَخَّرَ قَبْضُ جَمِيعِهِ إذَا شَرَعَ فِي قَبْضِ أَوَّلِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ وَرَآهُ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَقَالَ: تَأْوِيلُ حَدِيثِ الْمِجْمَرِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَا يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ إلَى الْعَطَاءِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ سَائِغٌ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَمَّى فِيهِ السَّوْمَ وَمَا يَأْخُذُ كُلُّ يَوْمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدَ الْأَرْطَالِ الَّتِي اشْتَرَى مِنْهُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ عَلَى عَدَدٍ مُسَمًّى مِنْ الْأَرْطَالِ فَكُلَّمَا أَخَذَ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْهِ ثَمَنُهُ إلَى الْعَطَاءِ وَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا التَّمَادِي عَلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْقِدَا بَيْعَهُمَا عَلَى عَدَدٍ مَعْلُومٍ مُسَمًّى مِنْ الْأَرْطَالِ فَكُلَّمَا أَخَذَ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْهِ ثَمَنُهُ إلَى الْعَطَاءِ وَإِجَازَةُ ذَلِكَ مَعَ تَسْمِيَةِ الْأَرْطَالِ الَّتِي يَأْخُذُ مِنْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ رِطْلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ عَلَى الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورِينَ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَأَنَا أَرَاهُ حَسَنًا مَعْنَاهُ وَأَنَا أُجِيزُ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا اتِّبَاعًا لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يُخَالِفُهُ، انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ أَسْلَمَ فِي لَحْمِ ضَأْنٍ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ وَزْنًا مَعْلُومًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فِي يَوْمِهِ لَحْمًا يُقَدِّرُهُ وَلَا يَتَعَجَّلُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ شَرْطِهِ وَمَنْ الْوَاضِحَةِ