أَرَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْبَيْعَ، قِيلَ لِمَالِكٍ فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا كُنْتُ لَاعِبًا وَإِنَّمَا هِيَ عَلَيَّ بِعَشْرَةٍ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: يُنْظَرُ فِيهَا حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ لَا يُبَاعُ مِثْلُهَا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ حَلَفَ مَا كُنْتُ إلَّا مَازِحًا، وَمَا أَرَدْتُ بَيْعَهَا بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ مِثْلُهَا بِذَلِكَ رَأَيْتُ بَيْعَهَا مَاضِيًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَسَدَتْ السِّلْعَةُ فَيَرْضَى بِهِ وَتُبَاعُ بِالنُّقْصَانِ، انْتَهَى. أَمَّا أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ مَا إذَا وَهِمَ فِي الثَّمَنِ فَمَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْمُرَابَحَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَرَبِحَهُ، وَأَمَّا آخِرُهَا فَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الْأَبْهَرِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ تَسَوَّقَ بِهَا لَا مَفْهُومَ لَهُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلْزَمْ الْبَيْعُ مَعَ التَّسَوُّقِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الدَّلَالَةِ عَلَى الرِّضَا بِالْبَيْعِ فَأَحْرَى إذَا لَمْ يَتَسَوَّقْ بِهَا فَهُوَ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَتَسَوَّقْ بِهَا يَحْلِفْ وَلَا يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا عَلَى مَا ارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ، فَقَصَدَ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ حُكْمِ الْوَجْهِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ لِيُعْلَمَ مِنْهُ الْحُكْمُ فِي الْوَجْهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ: الْحُكْمُ مُخْتَلِفٌ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمُتَقَدِّمِ: إنَّهُ إذَا لَقِيَهُ فِي غَيْرِ السُّوقِ أَنَّهُ يَحْلِفُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنُ صِدْقُ قَوْلِهِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ قَوْلًا وَاحِدًا اهـ. فَأُسْقِطَ عَنْهُ الْيَمِينُ إذَا تَبَيَّنَ صِدْقُهُ مَعَ عَدَمِ التَّسَوُّقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ مَعَ التَّسَوُّقِ، وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْيَمِينَ يَمِينُ تُهْمَةٍ وَأَنَّهَا لَا تَنْقَلِبُ وَاذَا كَانَتْ يَمِينَ تُهْمَةٍ فَإِنَّهَا تَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُتَّهَمِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاذَا تَبَيَّنَ صِدْقُهُ فَلَا تُهْمَةَ حِينَئِذٍ، فَلَا تَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ، فَظَهَرَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْوَجْهَيْنِ سَوَاءٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الرَّابِعُ) تَقَدَّمَ أَنَّ مَعْنَى تَسَوَّقَ بِهَا أَوْقَفَهَا لِلسَّوْمِ فِي السُّوقِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّوقِ سُوقُ تِلْكَ السِّلْعَةِ، وَأَمَّا سُوقُ غَيْرِهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِ السُّوقِ، وَكَلَامُ الْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ قَالَ فِيهَا: فَإِنْ كَانَ فِي سُوقِ تِلْكَ السِّلْعَةِ فَرَوَى أَشْهَبُ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ مَا سَاوَمَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَا يَلْزَمُهُ، انْتَهَى. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْخَامِسُ) تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْبَائِعَ إذَا قَالَ فِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ: لَا أَرْضَى لِأَنِّي مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ سَوَاءٌ تَسَوَّقَ بِسِلْعَتِهِ أَوْ لَمْ يَتَسَوَّقْ بِهَا، وَسَوَاءٌ قَالَ: إنَّمَا أَرَدْتُ اخْتِبَارَ ثَمَنِ تِلْكَ السِّلْعَةِ أَوْ كُنْتُ لَاعِبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ صِدْقُ قَوْلِهِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ، وَيَتَبَيَّنُ صِدْقُ قَوْلِهِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ قَبْلَ الْمُسَاوَمَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ كَذَا وَكَذَا وَلَا يُرِيدُ الْبَيْعَ، أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا إذَا أَنْكَرَ الْبَيْعَ كَأَنَّهُ مِنْ سَاعَتِهِ، وَأَمَّا لَوْ سَكَتَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي: أَخَذْتُهَا سُكُوتًا يَقْتَضِي رِضَاهُ بِالْبَيْعِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ كَمَا فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي تَرَدُّدٌ فِي الْمُمَاكَسَةِ؛ لِأَنَّ تَرَدُّدَ الْمُمَاكَسَةِ يَقْتَضِي رِضَاهُ بِالْبَيْعِ وَيُلْزِمُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا وَقَعَ مِنْهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي الرِّضَا بِالْبَيْعِ كَقَوْلِهِ: اذْهَبْ فَاسْتَشِرْ فِيهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَرَادَ الْبَيْعَ، وَلَكِنْ قَالَ: بَدَا لِي الْآنَ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ، وَكُلُّ هَذَا أَيْضًا يَجْرِي فِي قَوْلِ الْمُشْتَرِي: أَنَا آخُذُهَا بِكَذَا وَأَنَا أَشْتَرِيهَا بِكَذَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمُ فِي التَّنْبِيهِ الْأَوَّلِ، وَيَجْرِي أَيْضًا فِي قَوْلِ الْبَائِعِ أَبِيعُكَهَا بِكَذَا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي فِي التَّنْبِيهِ السَّابِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(السَّادِسُ) لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ الْمَحْكِيُّ عَنْ الْمُشْتَرِي فِي جَوَابِ قَوْلِ الْبَائِعِ بِعَشْرَةٍ إنَّمَا هُوَ رَضِيتُ، وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ أَخَذْتُهَا، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ، قَالَ الْوَانُّوغِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ إنْ قُلْت: لِمَ نَسَبَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِلْمُدَوَّنَةِ أَخَذْتُهَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُسَاوَمَةِ وَتَرَكَ الرِّضَا الْمَذْكُورَ فِيهَا.؟ قُلْت: لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّهُمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015