وَلَا نِيَّةَ لَهُ، وَزَادَ أَيْضًا بَعْدَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ التَّحْرِيمَ فَيَكُونُ الْبَتَاتُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَزِمَ بِأَيِّ كَلَامٍ نَوَاهُ)
ش: هَذِهِ هِيَ الْكِنَايَةُ الْخَفِيَّةُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْكِنَايَةُ الْخَفِيَّةُ مَا مَعْنَى لَفْظِهِ مُبَايِنٌ لَهُ، وَأَزِيدُ مِنْهُ إنْ لَمْ يُوجِبْ مَعْنَاهُ حُكْمًا اُعْتُبِرَ فِيهِ كَاسْقِنِي الْمَاءَ، وَإِلَّا فَفِيهِمَا كَانَتْ طَالِقٌ، وَأَشَارَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إلَى إجْرَائِهَا عَلَى خَفِيَّةِ الطَّلَاقِ، فَتُلْغَى عَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَرِوَايَتِهِ لَغْوُهَا فِي الطَّلَاقِ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِيهَا إنْ لَمْ يَنْوِ فِيهَا مَعْنَى التَّطْلِيقِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ.
ص (لَا بِإِنْ وَطِئْتُكِ وَطِئْتُ أُمِّي)
ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ لِغَيْرِهِ قَالَ: وَكَوْنُهُ ظِهَارًا أَقْرَبُ مِنْ لَغْوِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ، وَطِئْتُكِ وَطِئْتُ أُمِّي لَا أَطَؤُكِ حَتَّى أَطَأَ أُمِّي فَهُوَ لَغْوٌ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ، وَطْئِي إيَّاكِ كَوَطْءِ أُمِّي، فَهُوَ ظِهَارٌ، وَهَذَا أَقْرَبُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 77] لَيْسَ مَعْنَاهُ لَا يَسْرِقُ حَتَّى يَسْرِقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ، وَإِلَّا لَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَلْ مَعْنَاهُ سَرِقَتُهُ كَسَرِقَةِ أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَلِذَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ انْتَهَى، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ بَعْضُ كَلَامِهِ، وَتَرَكَ مِنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَنَصُّ كَلَامِهِ، وَسَمِعَ يَحْيَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ: لَا أَعُودُ لِمَسِّكِ حَتَّى أَمَسَّ أَمَتِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ قَالَ: لَا أَمَسُّ أَمَتِي أَبَدًا.
(قُلْت) اُنْظُرْ هَلْ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ إنْ وَطِئْتُكِ فَقَدْ وَطِئْتُ أُمِّي نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ، وَفِي النَّفْسِ مَنْ نَقَلَهُ؟ الصَّقَلِّيُّ عَنْ سَحْنُونٍ شَكٌّ لِعَدَمِ نَقْلِهِ الشَّيْخُ فِي نَوَادِرِهِ، وَانْظُرْ هَلْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ أُمِّي سَمِعَ عِيسَى أَنَّهُ ظِهَارٌ، وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ لَغْوِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ وَطِئْتُكِ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ فَانْظُرْ هَذَا الَّذِي تَرَكَهُ ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا فِيهِ مِنْ الْفَوَائِدِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ جِهَةِ الْبَحْثِ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ قَوْلِهِ إنْ وَطِئْتُكِ فَقَدْ، وَطِئْتُ أُمِّي أَيْ وَطْئِي إيَّاكِ مِثْلُ، وَطْءِ أُمِّي، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ فَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ كَمَا قَالَ قَبْلَهُ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا، وَقَبِلَهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي أَوَائِلِ الظِّهَارِ كَمَا قَالَ وَقَبِلَهُ، وَنَصُّهُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنْ قَالَ إنْ وَطِئْتُكِ وَطِئْتُ أُمِّي، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَكَلَامُ ابْنُ عَرَفَةَ مُتَدَافِعٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا لَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ثُمَّ قَالَ إنَّ الصَّقَلِّيَّ ذَكَرَهُ عَنْ سَحْنُونٍ، وَقَوْلُهُ إنَّ فِي النَّفْسِ شَيْئًا مِنْ نَقْلِهِ الصَّقَلِّيُّ عَنْ سَحْنُونٍ لِعَدَمِ نَقْلِهِ الشَّيْخُ فِي نَوَادِرِهِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ إمَامَةَ ابْنُ يُونُسَ، وَجَلَالَتَهُ، وَثِقَتَهُ مَعْرُوفَةٌ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْعَنَ فِي قَوْلِهِ، وَكَوْنُ الشَّيْخِ لَمْ يَذْكُرْهُ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَنْفِ وُجُودَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الظِّهَارَ أَمَّا إذَا نَوَى بِهِ الظِّهَارَ، فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي الْكَبِيرِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ نَوَى بِهِ الظِّهَارَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ قَدَّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِأَيِّ كَلَامٍ نَوَاهُ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ أَكْثَرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الظِّهَارِ: وَلَوْ قَالَ: لَا أَمَسُّكِ حَتَّى أَمَسَّ أُمِّي لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلْحِقْهَا بِهَا فِي التَّحْرِيمِ، وَلَمْ يُشْبِهَا بِهَا، وَلَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ التَّحْرِيمَ لَكَانَتْ طَالِقًا انْتَهَى.
(قُلْت) ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ إنْ قَصَدَ بِهِ التَّحْرِيمَ، فَهُوَ طَلَاقٌ فَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ إنْ قَصَدَ بِهَا التَّحْرِيمَ، فَهُوَ طَلَاقٌ، وَإِنْ قَصَدَ بِهَا الظِّهَارَ فَظِهَارٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَتَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ إنْ عَادَ ثُمَّ ظَاهَرَ)
ش: يَعْنِي لَوْ ظَاهَرَ ثُمَّ عَادَ، ثُمَّ ظَاهَرَ أَيْضًا لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ