الظِّهَارِ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ؟ أَوْ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِالظِّهَارِ فَقَطْ؟ تَأْوِيلَانِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ كَأَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي فَمَسْأَلَةٌ أُخْرَى شَبَّهَهَا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي جَرَيَانِ التَّأْوِيلَيْنِ فِيهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْحُكْمَ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ اتِّكَالًا عَلَى الْمَفْهُومِ، فَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَقُولُ يُؤْخَذُ بِالطَّلَاقِ مَعَ الظِّهَارِ إذَا نَوَى بِصَرِيحِ الظِّهَارِ الطَّلَاقَ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ لَا يُؤْخَذُ بِالظِّهَارِ، وَعَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الظِّهَارُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤْخَذْ بِالطَّلَاقِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ فَأَحْرَى مَعَ عَدَمِهَا غَيْرَ أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى كِلَا التَّأْوِيلَيْنِ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ قَوْلَهُ، وَلَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ، وَهَلْ إلَى آخِرِهِ عَلَى مَا إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ دُونَ الظِّهَارِ فَيَقْرُبُ حِينَئِذٍ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَيَكُونُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ يُؤَاخَذُ بِالطَّلَاقِ عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَنَصُّهُ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّرِيحِ، وَالظِّهَارِ، وَالْكِنَايَةِ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكِنَايَةِ الطَّلَاقَ صُدِّقَ أَتَى مُسْتَفْتِيًا أَوْ أَحْضَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ، وَالصَّرِيحُ لَا يُصَدَّقُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ إذَا أَحْضَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ، وَيُؤْخَذُ بِالطَّلَاقِ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ، وَبِالظِّهَارِ بِمَا لَفَظَ بِهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ إلَيْهَا سَبِيلٌ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، وَقِيلَ أَنَّهُ يَكُونُ ظِهَارًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَإِنْ نَوَاهُ، وَأَرَادَهُ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ، وَأَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى.

فَمَفْهُومُ كَلَامِهِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَصَدَقَ فِي إرَادَةِ الطَّلَاقِ، وَلَمْ يُؤْخَذْ بِالظِّهَارِ، وَإِنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ يَقُولُ هُوَ ظِهَارٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي آخِرِ كِتَابِ الظِّهَارِ قَالَ: أَصْلُ الظِّهَارِ بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، فَإِذَا ظَاهَرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فَهُوَ مُظَاهِرٌ سَمَّى الظَّهْرَ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ أَرَادَ بِذَلِكَ الظِّهَارَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الظِّهَارَ، فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى عَنْهُ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا بَتَاتًا، وَلَا يَنْوِي فِي وَاحِدَةٍ، وَلَا اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ هَذَا نَصُّ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا ظَاهَرَ بِذَوَاتِ مَحْرَمٍ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ أَنَّهُ طَلَاقٌ سَمَّى الظَّهْرَ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ، وَمُسَاوَاتُهُ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَ الظَّهْرَ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِهِ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ إذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا، وَأَمَّا إذَا حَضَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ، وَطُولِبَ بِحُكْمِ الظِّهَارِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَمَّى الظَّهْرَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالظِّهَارِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ حَضَرَتْهُ بِالْإِفْصَاحِ بِهِ، فَلَمْ يُصَدَّقْ فِي طَرْحِ الْكَفَّارَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ نَوَاهُ، وَأَرَادَ الطَّلَاقَ، وَكَانَ مِنْ حَقِّ الْمَرْأَةِ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ أَنْ تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ الظَّهْرَ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِالظِّهَارِ وَصَدَقَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِهِمْ أَنَّ مَنْ ادَّعَى نِيَّةً مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ لَفْظِهِ لَا يُصَدَّقُ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا إنْ لَمْ يُسَمِّ الظَّهْرَ، وَظَاهِرٌ إنْ سَمَّاهُ، وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ بِرِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ، وَحَكَى أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ أَنَّهُ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُفَسِّرَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ بِرِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَوَّلَ الْأَبْهَرِيُّ فَقَالَ: إنَّ صَرِيحَ الظِّهَارِ ظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَمَا أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ طَلَاقٌ، وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى بَلْ يُخَالِفُ فِي الطَّرَفَيْنِ، فَيَقُولُ فِي الرَّجُلِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ أَرَدْتُ بِذَلِكَ الظِّهَارَ أُلْزِمَ الظِّهَارَ بِمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ نِيَّتِهِ، وَالطَّلَاقُ بِمَا أَظْهَرَ مِنْ لَفْظِهِ انْتَهَى.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَفِي تَنْوِيَتِهِ ثَالِثُهَا يَنْوِي فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ يَعْنِي لَوْ ادَّعَى فِي صَرِيحِ الظِّهَارِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الظِّهَارَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الطَّلَاقَ، فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ أَمْ لَا الْمَازِرِيُّ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَيَكُونُ ظِهَارًا رَوَاهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015