وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} [المجادلة: 22] الْآيَةَ
ص (وَإِنْ صَائِمًا)
ش: (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَبِيِّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ أَنَّ الصَّائِمَ إذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ صَائِمٌ لَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ وَقَيَّدَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنْ يُسَامَحَ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (إنْ لَمْ يُحْضِرْ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ وَمُنْكَرٌ كَفُرُشٍ حَرِيرٍ وَصُوَرٍ عَلَى كَجِدَارٍ)
ش: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا رَأَى مُنْكَرًا أَوْ خَافَ أَنْ يَرَاهُ أَنَّهُ لَا يُجِيبُ. وَقَالَ أَيْضًا بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ: أَمَّا الَّذِي يَصِحُّ فِي هَذَا كُلِّهِ عِنْدَ النَّظَرِ أَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ وَاجِبَةٌ إذَا خَلَصَتْ وَلِيمَةُ الدَّاعِي لِلَّهِ وَخَلَصَتْ وَلِيمَتُهُ عَمَّا لَا يُرْضِي اللَّهَ وَلَمَّا عُدِمَ هَذَا سَقَطَ الْوُجُوبُ عَنْ الْخَلْقِ بَلْ حَرُمَ عَلَيْهِمْ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فَلَا مَعْنَى لِلْإِطْنَابِ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الطَّعَامِ شُبْهَةٌ أَوْ تَلْحَقُ فِيهِ مِنَّةٌ أَوْ رُؤْيَةُ مُنْكَرٍ فَلَا يَجُوزُ الْحُضُورُ وَلَا الْأَكْلُ وَلَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، انْتَهَى.
(فَرْعَانِ. الْأَوَّلُ) قَالَ الْأَبِيُّ وَيَأْتِي لِابْنِ حَبِيبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ زِيَادَةُ مَانِعٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ لَا يَخُصَّ بِالدَّعْوَةِ الْأَغْنِيَاءَ فَإِنْ خَصَّهُمْ سَقَطَ الْوُجُوبُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ.» .
ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ اخْتِصَاصُ الْأَغْنِيَاءِ بِالدَّعْوَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ هَلْ تُجَابُ دَعْوَتُهُ أَمْ لَا، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَا تُجَابُ وَنَحَا نَحْوَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ وُجُوبُ الْإِجَابَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ الْخَامِسِ فِي تَرْجَمَةِ حِكَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي إتْيَانِ الْوَلِيمَةِ، قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ دُونٌ فَأَتَى لِيَدْخُلَ فَمُنِعَ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَذَهَبَ فَلَبِسَ ثِيَابًا جِيَادًا ثُمَّ جَاءَ فَأُدْخِلَ فَلَمَّا وُضِعَ الثَّرِيدُ وَضَعَ كُمَّيْهِ. عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ مَا هَذَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: إنَّمَا هِيَ الَّتِي أُدْخِلَتْ وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَدْخُلْ قَدْ رَدَدْت إذْ لَمْ تَكُنْ عَلَيَّ ثُمَّ بَكَى. وَقَالَ: ذَهَبَ حِبِّي وَلَمْ يَنَلْ مِنْ هَذَا شَيْئًا وَبَقِيتُمْ تُهَانُونَ بَعْدَهُ
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ الْوَلِيمَةُ الَّتِي رَدَّ فِيهَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْهُ مِنْ حُجَّابِ بَابِ الْوَلِيمَةِ إذْ ظَنَّهُ فَقِيرًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ الدُّونِ وَأَدْخَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ رَآهُ مِنْ حُجَّابِهَا فِي صِفَةِ الْأَغْنِيَاءِ بِالثِّيَابِ الْحِسَانِ هِيَ الَّتِي، قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَيُرْوَى: بِئْسَ الطَّعَامُ يُرِيدُ أَنَّهُ بِئْسَ الطَّعَامُ لِمُطْعِمِهِ إذْ رَغِبَ عُمَّالُهُ فِي الْحَظِّ مِنْ أَنْ لَا يَخُصَّ بِطَعَامِهِ الْأَغْنِيَاءَ دُونَ الْفُقَرَاءِ فَالْبَأْسُ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ لَا عَلَى مَنْ دَعَاهُ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَبَكَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَفَقًا مِنْ تَغْيِيرِ الْأَحْوَالِ عَلَى قُرْبِ الْعَهْدِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَغْبَةِ النَّاسِ عَمَّا نُدِبُوا إلَيْهِ فِي وَلَائِهِمْ مِنْ عَمَلِهَا وَتَرْكِ الرِّيَاءِ فِيهَا وَالسُّمْعَةِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ دَعَا فِي وَلِيمَةٍ الْأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ فَعَزَلَ الْفُقَرَاءَ عَنْهُمْ، وَقَالَ: نُطْعِمُكُمْ مَا يَأْكُلُونَ لَا تُفْسِدُوا عَلَيْهِمْ ثِيَابَهُمْ وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ فَلَا تُعَوِّلُوا عَلَيْهِ وَلَوْ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ، وَالْفُقَرَاءُ لِفُرْقَتِهِمْ وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمْ وَيَعْتَذِرْ إلَيْهِمْ فَإِنَّ هَذَا كَسْرٌ لِنُفُوسِهِمْ وَإِثْمٌ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِمْ فَلَا يَنْفَعُ إشْبَاعُهُ بِذَلِكَ، انْتَهَى.
(الثَّانِي) قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَقَدْ أَرْخَصَ مَالِكٌ فِي التَّخَلُّفِ لِكَثْرَةِ زِحَامِ النَّاسِ فِيهَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَنْ حَضَرَ يَأْكُلُونَ وَعَلَى رُءُوسِهِمْ قَوْمٌ يَنْظُرُونَهُمْ فَهَذَا مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالضَّرَرِ، انْتَهَى.
ص (لَا مَعَ لَعِبٍ مُبَاحٍ