الشَّهَادَةِ وَكَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ
ص (وَلَزِمَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ الْمُجْبِرِ لَهَا وَالْمُفَوَّضِ إلَيْهِ نِكَاحُهَا: زَوِّجْنِي وَلِيَّتَكَ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْت، فَقَالَ الزَّوْجُ: لَا أَرْضَى بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ النِّكَاحُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: قُلْت هَازِلًا قَالَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ الْخَاطِبُ لِلْأَبِ فِي الْبِكْرِ، أَوْ لِوَصِيٍّ مُفَوَّضٍ إلَيْهِ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ بِمِائَةٍ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت، ثُمَّ قَالَ الْخَاطِبُ لَا أَرْضَى لَمْ يَنْفَعْهُ وَلَزِمَهُ النِّكَاحُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: ثَلَاثٌ لَيْسَ فِيهِنَّ لَعِبٌ هَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ الزَّوْجِ: لَا أَرْضَى وَأَنَّ الزَّوْجَ أَنْشَأَ مَا يَقْتَضِي الرِّضَا بَعْدَ قَوْلِ الْوَلِيِّ قَدْ فَعَلْت وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ زَوِّجْنِي يَقُومُ مَقَامَ الرِّضَا انْتَهَى، يَعْنِي أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ الزَّوْجِ لَا أَرْضَى أَنَّ الزَّوْجَ أَنْشَأَ مَا يَقْتَضِي الرِّضَا بَعْدَ قَوْلِ الْوَلِيِّ: قَدْ فَعَلْت فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ: لَا يَرْضَى، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقُمْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا؛ لَمْ يَلْزَمْهُ وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ ظَاهِرٌ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَزْلَ النِّكَاحِ جِدٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِمُسَاوَمَةِ السِّلَعِ وَإِيقَافِهَا لِلْبَيْعِ فِي الْأَسْوَاقِ فَنَاسَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ إذَا حَلَفَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ مَعْرِفَةَ الْأَثْمَانِ وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ هَزْلَ النِّكَاحِ لَازِمٌ وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ الْهَزْلَ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَعَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَلْعَبُ زَوِّجْ ابْنَتَكَ مِنْ ابْنِي وَأَنَا أُمْهِرُهَا كَذَا فَقَالَ الْآخَرُ: عَلَى ضَحِكٍ وَلَعِبٍ أَتُرِيدُ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ زَوَّجْتُكَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُهُ، فَذَلِكَ نِكَاحٌ لَازِمٌ لِلْأَبَوَيْنِ أَنْ يَفْسَخَاهُ إذَا رَضِيَا يُرِيدُ عَلَى وَجْهِ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَاةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ثَلَاثٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ. وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُنَاكِحُ وَيَقُولُ: كُنْتُ لَاعِبًا وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: 231] انْتَهَى.
، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي رَجُلٍ أَحْضَرَ رَجُلًا فَقِيلَ: نَرَاكَ تُبْصِرُ هَذَا وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ خَتْنُكَ، فَقَالَ: نَعَمْ أُبْصِرُهُ وَاشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُهُ ابْنَتِي فَقِيلَ لَهُ: بِكَمْ؟ فَقَالَ: بِمَا شَاءَ، ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ فَقَالَ: امْرَأَتِي فَقَالَ: الْأَبُ وَاَللَّهِ مَا كُنْتُ إلَّا لَاعِبًا فَقَالَ: يَحْلِفُ الْأَبُ بِاَللَّهِ مَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ: طَلَبَ ذَلِكَ بِحِدْثَانِهِ، أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ؟
قَالَ: ذَلِكَ سَوَاءٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: مِثْلُ مَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْهُ مِنْ أَنَّ هَزْلَ النِّكَاحِ هَزْلٌ وَلَا يَجُوزُ مِنْهُ إلَّا مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْجِدِّ خِلَافُ الْمَشْهُورِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ هَزْلَهُ جِدٌّ عَلَى مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِمَا انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي الْهَزْلِ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالْعِتْقِ ثَالِثُهَا إنْ قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا نَصُّهُ: يَلْحَقُ بِالثَّلَاثِ الرَّجْعَةُ وَالْمَشْهُورُ اللُّزُومُ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ هَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ فِي السُّلَيْمَانِيَّة لَكِنْ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ عَنْ اللَّخْمِيِّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاَلَّذِي يَحْكِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ إنَّمَا هُوَ قَوْلَانِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَهُوَ شَرْطُ قِيَامِ دَلِيلٍ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ يَعُدُّونَهُ مِنْ تَمَامِ الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لَكِنْ ذَكَر بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: تُزَوِّجُنِي وَلِيَّتَكَ، أَوْ تَبِيعُنِي سِلْعَتَكَ فَقَالَ: قَدْ بِعْتُهَا مِنْ فُلَانٍ، أَوْ زَوَّجْتُهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: يَلْزَمُ وَلَا يَلْزَمُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ مُتَقَدِّمٍ، أَوْ لَا