أَقْوَالٍ: أَصَحُّهَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُطَلِّقَ امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِك وَتَنْكِحَ غَيْرَهَا، وَالثَّانِي: لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تُبَدِّلَ الْمُسْلِمَةَ الَّتِي عِنْدَك بِمُشْرِكَةٍ قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالثَّالِثُ: لَا تُعْطِي زَوْجَتَك فِي زَوْجَةٍ أُخْرَى كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ أَحْكَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ.
(تَنْبِيهٌ) أَوَّلُ الْآيَةِ {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهَا عَلَى أَقْوَالٍ: أَصَحُّهَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: إنَّ مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدِ مَنْ عِنْدَك مِنْهُنَّ قَالَهُ فِي الْأَحْكَامِ أَيْضًا.
قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ وَاخْتُلِفَ هَلْ نُسِخَ هَذَا التَّحْرِيمُ أَمْ لَا؟
وَحُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ أَعْنِي قَوْلَهُ لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ، الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَرُمَ تَبَدُّلُ أَزْوَاجِهِ وَالتَّزْوِيجُ عَلَيْهِنَّ مُكَافَأَةً لَهُنَّ عَلَى حُسْنِ صُنْعِهِنَّ لَمَّا خَيَّرَهُنَّ فَاخْتَرْنَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ أَنَّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْهِ إمْسَاكَهُنَّ بَعْدَ أَنْ اخْتَرْنَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ: وَتَرَكَ التَّزَوُّجَ عَلَيْهِنَّ وَالتَّبَدُّلَ بِهِنَّ مُكَافَأَةً لَهُنَّ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ لِتَكُونَ الْمِنَّةُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ص (وَنِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ)
ش: وَكَذَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ الشَّارِحُ: إنَّ التَّسَرِّيَ بِهَا حَلَالٌ عَلَى الْأَصَحِّ.
ص (وَالْأَمَةِ)
ش: يَعْنِي وَحَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً، أَوْ كَافِرَةً وَإِلَّا فَلَا خُصُوصِيَّةَ وَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ فَأَحْرَى الْأَمَةُ، وَأَمَّا وَطْءُ الْأَمَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَحَلَالٌ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَمَدْخُولَتِهِ لِغَيْرِهِ)
ش: وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَأَصْلُهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَفِي بَقَاءِ نِكَاحِ مَنْ مَاتَ عَنْهَا قَوْلَانِ وَعَلَى انْقِطَاعِهِ فَفِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَنَفْيِهَا قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مُتَوَفًّى عَنْهَا؛ أَوْ لِأَنَّهَا لَا تَنْتَظِرُ الْإِبَاحَةَ فِي مُطَلَّقَتِهِ خِلَافٌ انْتَهَى.
يَعْنِي: هَلْ ثَبَتَ لَهَا حُرْمَةُ نِسَائِهِ اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ، أَوْ لَا؟ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَنَقَلَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الصَّحِيحُ جَوَازُ نِكَاحِهَا وَقَالَ أَيْضًا: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى مَنْ مَاتَ عَنْهُنَّ وَبَقَاءُ نِكَاحِهِنَّ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَبِبَقَائِهِ أَقُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) اُنْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِمْ: مَدْخُولَتِهِ الْأَمَةُ الَّتِي وَطِئَهَا؟
قَالَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ (2) وَفِي الْمُيَمِّنِ تَبَعًا لِتَعْلِيقِهِ: إنَّ أَمَتَهُ الْمَوْطُوءَةَ إذَا فَارَقَهَا بِالْمَوْتِ، أَوْ الْعِتْقِ، أَوْ الْبَيْعِ تَحْرُمُ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْحَاوِي " وَمَدْخُولَتِهِ " انْتَهَى.
(قُلْت) وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِذَا حَرُمَتْ مَوْطُوءَتُهُ فَأَحْرَى أُمُّ وَلَدِهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْإِقْنَاعِ فِي مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُلِقَ حُرًّا وَأُمُّهُ مَارِيَةُ أُمُّ وَلَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَرَّمَةٌ عَلَى الرِّجَالِ بَعْدَهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَطَؤُهَا بَعْدَ وِلَادَتِهَا، وَأَنَّهَا لَمْ تُبَعْ بَعْدَهُ، وَلَا تَصَدَّقَ بِهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حُرَّةً انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) وَقَعَ بَيْنَ بَعْضِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ بَحْثٌ فِي أُمِّ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَلْ هِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَمْ لَا؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ وَكِتَابِ النِّكَاحِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَنَى بِصَفِيَّةَ قَالَ أَصْحَابُهُ: هَلْ هِيَ إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ ثُمَّ قَالُوا إنْ حَجَبَهَا فَهِيَ إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَمِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ» فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْ شُرَّاحَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
لَكِنْ رُبَّمَا يُقَالُ: هَذَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ لِمَا لَهُ مِنْ الرِّقِّ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ فَهِيَ حُرَّةٌ فَقَدْ يُقَالُ: صَارَتْ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ.
(فَوَائِدُ الْأُولَى) قَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْأَسْيُوطِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ فِي بَابِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْبِرَازِ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْرِيمَ رُؤْيَةِ أَشْخَاصِ أَزْوَاجِهِ وَلَوْ فِي الْأُزُرِ تَكْرِيمًا لَهُ وَلِذَا لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي عَلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ إذَا مَاتَتْ الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ إلَّا مَحَارِمُهَا؛ لِئَلَّا يُرَى شَخْصُهَا فِي الْكَفَنِ حَتَّى اُتُّخِذَتْ الْقُبَّةُ عَلَى التَّابُوتِ انْتَهَى.