{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

وَالْأَضْحَى جَمْعُ أَضْحَاةٌ وَيُجْمَعُ عَلَى أَضَاحِي أَيْضًا قَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَقَوْلُهُ وَالْوِتْرُ بِحَضَرٍ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ لَمَّا ذَكَرَ وُجُوبَ الْوِتْرِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قِسْمِ التَّهَجُّدِ انْتَهَى فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بِحَضَرٍ رَاجِعًا لَهُمَا مَعًا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُمْ اسْتَدَلُّوا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ فِي السَّفَرِ بِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَهَجَّدُ عَلَى الرَّاحِلَةِ» أَيْضًا وَانْظُرْ قَوْلَ السُّيُوطِيّ بَعْدُ فِي الْمُبَاحَاتِ.

(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) اُخْتُلِفَ فِي التَّهَجُّدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَقِيلَ: إنَّهُ النَّوْمُ، ثُمَّ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ: إنَّهُ الصَّلَاةُ بَعْدَ النَّوْمِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ الصَّلَاةُ بَعْدَ الْعِشَاءِ انْتَهَى مِنْ الْأَقْفَهْسِيِّ.

وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] أَيْ: قُمْ بَعْدَ نَوْمِك وَصَلِّ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَا يَكُونُ التَّهَجُّدُ إلَّا بَعْدَ النَّوْمِ يُقَالُ: تَهَجَّدَ إذَا سَهِرَ وَهَجَدَ إذَا نَامَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ تَهَجَّدَ إذَا نَامَ وَتَهَجَّدَ إذَا سَهِرَ وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ رَوَى حُمَيْد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ «رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي سَفَرٍ فَقَالَ لَأَنْظُرَنَّ كَيْفَ يُصَلِّي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ فَتَلَا أَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانِ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران: 190] الْآيَاتِ، ثُمَّ أَهْوَى بِيَدِهِ إلَى الْقِرْبَةِ وَأَخَذَ سِوَاكًا فَاسْتَاكَ بِهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَصَنَعَ كَصُنْعِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ» وَيَرَوْنَ أَنَّهُ التَّهَجُّدُ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ انْتَهَى بِلَفْظِهِ.

(الثَّانِي) قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَابِ صَلَاةِ اللَّيْلِ مِنْ الِاسْتِذْكَارِ: وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَاجِبَةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُنَّةٌ لِأُمَّتِهِ وَهَذَا لَا أَعْرِفُ وَجْهَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] انْتَهَى وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ مِنْ النَّفْلِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زِيدَ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ وُجُوبُ التَّهَجُّدِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَتَأَمَّلْهُ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ: جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ أَمْرُ نَدْبٍ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَقِيلَ: لِلْوُجُوبِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، ثُمَّ نُسِخَ، وَقِيلَ: كَانَ فَرْضًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً وَبَقِيَ كَذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص (وَالسِّوَاكِ)

ش: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا عَلِمْت مَا هُوَ الَّذِي كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ مِنْ السِّوَاكِ وَرَأَيْتُ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص (وَتَخْيِيرِ نِسَائِهٍ فِيهِ)

ش: الَّذِي فِي الصَّحِيحِ أَنَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ نَزَلَتْ وَعِنْدَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ وَهُنَّ اللَّوَاتِي تُوُفِّيَ عَنْهُنَّ، وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ نَزَلَتْ وَكَانَتْ عِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الضَّحَّاكِ فِي عِصْمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَارَتْ الدُّنْيَا فَفَارَقَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَكَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَلْقُطُ الْبَعْرَ وَتَقُولُ: هِيَ الشَّقِيَّةُ اخْتَارَتْ الدُّنْيَا قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ شِهَابٍ يَرْوِي عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خُيِّرَ فِي نِسَائِهِ بَدَأَ بِهَا فَاخْتَارَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَتَابَعَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ» انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) الْأَقْفَهْسِيُّ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ اخْتَارَتْ مِنْهُنَّ الدُّنْيَا مَثَلًا هَلْ كَانَتْ تَبِينُ بِنَفْسِ الِاخْتِيَارِ، أَوْ لَا؟ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا تَبِينُ انْتَهَى

ص (وَطَلَاقِ مَرْغُوبَتِهِ)

ش: هَذَا مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَزِمَ غَيْرَهُ لَهُ طَلَاقُ مَرْغُوبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: كَإِذْعَانِ مَخْطُوبَتِهِ انْتَهَى. وَعَدَّ فِيهِ أَيْضًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَةَ خَلِيَّةٍ رَغِبَ فِيهَا قَالَ النَّوَوِيُّ فَإِنْ كَانَتْ خَلِيَّةً؛ لَزِمَتْهَا الْإِجَابَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَحَرُمَ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَتُهَا انْتَهَى

[فَرْعٌ أُبِيحَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَخْذُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِنْ الْجَائِعِ وَالْعَطْشَانِ]

(فَرْعٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أُبِيحَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخْذُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِنْ الْجَائِعِ وَالْعَطْشَانِ وَإِنْ كَانَ مَنْ هُوَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015