مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْكَعْبَةَ عَبِيدًا، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى انْقِرَاضِ الْحَجَبَةِ؛ لِأَنَّ خُدَّامَ الْكَعْبَةِ غَيْرُ وُلَاةِ فَتْحِهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مُقَرَّرٌ إلَى زَمَانِنَا، وَكَثِيرًا يَقَعُ فِي كَلَامِ الْأَزْرَقِيِّ وَالْفَاكِهِيِّ ذِكْرُ الْحَجَبَةِ، ثُمَّ ذِكْرُ خَدَمَةِ الْكَعْبَةِ أَوْ عَبِيدِهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا، وَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ انْقِرَاضُهُمْ فِي زَمَانِ سَيِّدِنَا مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالنُّصُوصُ الْمُتَقَدِّمَةُ صَرِيحَةٌ فِي بَقَائِهِمْ بَعْدَهُ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ، بَلْ قَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي كِتَابِ الْأَنْسَابِ أَنَّ شَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَاشَ إلَى أَيَّامِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِمْ إلَى زَمَانِهِ، وَقَدْ عَاشَ إلَى سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَلَوْ انْقَرَضُوا لَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَالْمَقْطُوعِ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَقِفَ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ عَلَى مَا نَقَلَ الشَّرِيفُ النَّسَّابَةُ خُصُوصًا مَعَ مَا قَوَّى بِهِ مِمَّا نُسِبَ لِسَيِّدِنَا مُعَاوِيَةَ فَيُتَوَهَّمُ خِلَافُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَالتَّحْقِيقُ مَا أَشَارَ الْعُلَمَاءُ إلَى اسْتِنْبَاطِهِ مِنْ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ مِنْ بَقَائِهِمْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

[فَوَائِدُ كَانُوا يَقُولُونَ لَا يَفْتَحُ الْكَعْبَةَ إلَّا الْحَجَبَةُ]

(فَوَائِدُ الْأُولَى) ذَكَرَ الْفَاكِهِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَخَذَ الْمِفْتَاحَ مِنْ عُثْمَانَ فَتَحَهَا بِيَدِهِ، وَقَدْ كَانُوا يَقُولُونَ لَا يَفْتَحُ الْكَعْبَةَ إلَّا الْحَجَبَةُ.

(الثَّانِيَةُ) ذَكَرَ الْفَاكِهِيُّ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَفَعَ الْمِفْتَاحَ إلَى عُثْمَانَ كَانَ مُضْطَبِعًا عَلَيْهِ رِدَاءَهُ مُغَيِّبًا لَهُ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ مِنْ وَرَاءِ الثَّوْبِ، وَقَالَ: غَيِّبُوهُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَلِذَلِكَ يُغَيَّبُ الْمِفْتَاحُ، انْتَهَى.

(قُلْتُ:) فَلِذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يُرْخُونَ سِتْرَ الْبَابِ حِينَ فَتْحِهِ وَحِينَ إغْلَاقِهِ

[سُنَّة الْمَكِّيِّينَ إذَا ثَقَلَ لِسَانُ الصَّبِيِّ]

(الثَّالِثَةُ) قَالَ الْفَاكِهِيُّ أَيْضًا: كَانَ مِنْ سُنَّةِ الْمَكِّيِّينَ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ إذَا ثَقَلَ لِسَانُ الصَّبِيِّ وَأَبْطَأَ كَلَامُهُ عَنْ وَقْتِهِ جَاءُوا بِهِ إلَى حَجَبَةِ الْكَعْبَةِ فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ فِي فَمِهِ فَيَأْخُذُونَهُ الْحَجَبَةُ فَيَدْخُلُونَ خِزَانَةَ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ يُغَطُّونَ وَجْهَهُ، ثُمَّ يُدْخَلُ مِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي فَمِهِ فَيَتَكَلَّمُ سَرِيعًا وَيَنْطَلِقُ لِسَانُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ مُجَرَّبٌ بِمَكَّةَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، انْتَهَى. قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا وَإِلَى عَصْرِنَا هَذَا، وَهُوَ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَمَانِمِائَةٍ (قُلْتُ:) وَإِلَى وَقْتِنَا هَذَا، وَهُوَ سَنَةُ أَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ، وَلَا يَخُصُّونَ بِذَلِكَ مَنْ ثَقَلَ لِسَانُهُ بَلْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِالصِّغَارِ مُطْلَقًا تَبَرُّكًا بِذَلِكَ وَرَجَاءَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ بِالْحِفْظِ وَالْفَهْمِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَا آبَاؤُنَا وَفَعَلْنَاهُ بِأَوْلَادِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ

. ص (وَالْمَشْيُ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ، وَلَوْ لِصَلَاةٍ)

ش: قَالَ الْقَرَافِيُّ وَفِي الْكِتَابِ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ، فَكَلَّمَهُ لَزِمَهُ الْمَشْيُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَالْمُدْرَكُ إمَّا لِأَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ الْعَادَةُ تَلْزَمُ أَحَدَهُمَا، وَإِمَّا لِأَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِإِحْرَامٍ بِأَحَدِهِمَا، فَكَانَ اللَّفْظُ دَالًّا عَلَيْهِمَا بِالِالْتِزَامِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ النَّاذِرُ الْمَشْيَ إنْ نَوَى حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ طَوَافًا أَوْ صَلَاةً لَزِمَهُ، وَيَدْخُلُ مُحْرِمًا إذَا نَوَى حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، وَإِنْ نَوَى طَوَافًا يَتَخَرَّجُ دُخُولُهُ مُحْرِمًا عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ دُخُولِ مَكَّةَ حَلَالًا، وَنَاذِرُ السَّعْيِ يُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ يَسْقُطُ نَذْرُهُ أَوْ يَأْتِي بِعُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ بِانْفِرَادِهِ، فَيُصَحِّحُ نَذْرَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةَ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ أَتَى مَكَّةَ وَوَفَّى بِنَذْرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِي لِلنَّفْلِ، فَإِنْ نَوَى الْوُصُولَ خَاصَّةً، وَهُوَ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِيهِ كَانَ نَذْرُهُ مَعْصِيَةً فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ الْمَشْيِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةُ مَشْيٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ إذَا حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ وَنَوَى الْوُصُولَ وَيَعُودُ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ وَفَضِيلَةٌ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَا مَشْيَ وَلَا غَيْرَهُ، أَوْ يَكُونُ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِي نَذْرِهِ وَوُصُولِهِ إلَى مَكَّةَ فَيَكُونُ نَذْرُهُ مَعْصِيَةً، وَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ قَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وُجُوبًا، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْكِسَ نَذْرَهُ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015