فِي تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ شَرْطٌ فَيُحْكَمُ بَيْنَهُمَا بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فِي ذَلِكَ، وَفِي بَابِ الْأَيْمَانِ مَسَائِلُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْبَابِ السَّابِعِ وَالْخَمْسِينَ مِنْ تَبْصِرَتِهِ مَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةً مِنْ ذَلِكَ وَبَقِيَتْ مَسَائِلُ أُخَرُ غَيْرُ مَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ عَلَى وَهْمٍ وَغَلَطٍ، رَأَيْتُ بِخَطِّ) بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَنْقُولًا مِنْ كِتَابِ الْجَوْهَرِ الْمَكْنُونِ فِي الْقَبَائِلِ وَالْبُطُونِ لِلشَّرِيفِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْعَدَ الْجَوَّانِيِّ النَّسَّابَةِ مَا نَصُّهُ: الْحَجَبِيُّونَ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَنْسُوبُونَ إلَى حَجَبَةِ الْكَعْبَةِ قَدَّسَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَهُمْ وَلَدُ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ بْنِ كِلَابٍ، قَالَ الشَّيْخُ الشَّرِيفُ ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْحَسَنِيُّ النَّسَّابَةُ. وَقَالُوا: لَيْسَ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ بَقِيَّةُ دَرَجٍ عَقِبَهُمْ زَمَانَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِ مَرْوَانَ فَوَرِثُوا كَلَالَةً، وَرِثَهُمْ تِسْعُ نَفَرٍ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ بِالْقَعَدِ مِنْ قُصَيٍّ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بَنُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَجَعْفَرٌ وَقُثَمُ وَالْعَبَّاسُ بَنُو تَمَّامِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ وَمُحَمَّدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدِ بْنِ ثُوَيْبِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ كُلُّ مَنْ يُدْعَى إلَى هَذَا الْبَطْنِ فَهُوَ فِي ضِحٍّ، انْتَهَى. قَالَ النَّاقِلُ: وَلِلشَّرِيفِ الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ ذِكْرِ أَوَائِلِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ وَالْيَمَنِ نَحْوُ ذَلِكَ، وَالضِّحُّ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ضَوْءُ الشَّمْسِ فَكَأَنَّهُ يَعْنِي فِي أَمْرٍ بَيِّنٍ بُطْلَانُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ.
(قُلْتُ) وَقَوَّى بَعْضُ النَّاسِ مَا ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ النَّسَّابَةُ بِمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ مُؤَرِّخُ مَكَّةَ قَدِيمًا وَنَقَلَهُ عَنْهُ مُؤَرِّخُهَا قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيُّ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَاسِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي عِدَّةٍ مِنْ تَوَارِيخِهِ مِنْ أَنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجْرَى لِلْكَعْبَةِ الشَّرِيفَةِ وَظِيفَةَ الطِّيبِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَكَانَ يَبْعَثُ بِالْمِجْمَرِ وَالْخَلُوقِ فِي الْمَوْسِمِ وَفِي رَجَبٍ، وَأَخْدَمَهَا عَبِيدًا، ثُمَّ اتَّبَعَتْ ذَلِكَ الْوُلَاةُ بَعْدُ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَذَلِكَ كُلُّهُ وَهْمٌ وَغَلَطٌ، أَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ الشَّرِيفِ النَّسَّابَةِ فَمَرْدُودٌ بِنُصُوصِ عُلَمَاءِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ الَّذِينَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ مِثْلُ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ النُّذُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ إمَامِنَا إمَامِ دَارِ الْهِجْرَةِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَنَصُّهُ: وَأَعْظَم مَالِكٌ أَنْ يُشْرَكَ مَعَ الْحَجَبَةِ فِي الْخِزَانَةِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ دَفَعَ الْمِفْتَاحَ لِعُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ، انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الْخِزَانَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ أَمَانَةُ الْبَيْتِ، انْتَهَى. فَالشَّرِيفُ النَّسَّابَةُ يَقُولُ: إنَّهُ دَرَجُ عَقِبِهِمْ فِي زَمَانِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَقَدْ مَاتَ هِشَامٌ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَصَرِيحُ كَلَامِ مَالِكٍ أَنَّهُمْ مَوْجُودُونَ فِي زَمَنِهِ، وَقَدْ عَاشَ مَالِكٌ إلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَدْرَكَ زَمَنَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وُلِدَ بَعْدَ التِّسْعِينَ فِي الْمِائَةِ الْأُولَى، وَخِلَافَةُ هِشَامٍ نَحْوُ الْعِشْرِينَ سَنَةً، فَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ هِشَامٍ لَمَا خَفِيَ عَلَى مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَلَا يَخْفَى عَلَى الْعَوَامّ فَضْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لَتَنَازَعَتْ قُرَيْشٌ فِي ذَلِكَ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَنَقَلَ ذَلِكَ الْمُؤَرِّخُونَ فِي كُتُبِهِمْ، وَلَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْهُمْ بَلْ الْمَوْجُودُ فِي كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَلَقَّى أَصْحَابُ مَالِكٍ جَمِيعُهُمْ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ بِالْقَبُولِ وَنَقَلُوهُ فِي مُتُونِهِمْ وَشُرُوحِهِمْ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، بَلْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ وَتَلَقَّوْهُ كُلُّهُمْ بِالْقَبُولِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ أَبِي الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيِّ الْمَكِّيِّينَ مُؤَرِّخَيْ مَكَّةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ تَارِيخَيْهِمَا، فَمِنْ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِمَا إنَّ وَلَدَ عُثْمَانَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ دَهْرًا، ثُمَّ قَدِمُوا وَحَجَبُوا مَعَ بَنِي عَمِّهِمْ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ
وَقَدْ بَيَّنَ الْفَاكِهِيُّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي وِلَايَةِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، وَهُوَ بَعْدَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ؛ لِأَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ