وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَهَذَا بِخِلَافِ الْهَدْيِ عَنْ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِبُّهُ مَالِكٌ، فَكَانَ الْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ (تَنْبِيهٌ) : يُقَيَّدُ قَوْلُهُ: وَفِعْلُهَا عَنْ مَيِّتٍ بِمَا إذَا لَمْ يُعِدَّهَا الْمَيِّتُ وَإِلَّا، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْوَارِثِ تَنْفِيذُهَا إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُنَفِّذَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (كَعَتِيرَةٍ)
ش: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا فِي رَسْمِ الْجَنَائِزِ وَالصَّيْدِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ قَالَ مَالِكٌ: الْعَتِيرَةُ: شَاةٌ كَانَتْ تُذْبَحُ فِي رَجَبٍ يَتَبَرَّرُونَ بِهَا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ لَيْسَ النَّاسُ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الْعَتِيرَةَ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ الشَّاةُ الَّتِي كَانَتْ تُذْبَحُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ فِي رَجَبٍ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّرِ، وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ يُرِيدُ مَعْمُولًا بِهَا كَالضَّحَايَا فَرَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُوِيَ عَنْهُ «أَنَّهُ قَالَ بِعَرَفَةَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ عَلَى كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةً هَلْ تَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ قَالَ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ مُحَبَّبُ بْنُ سُلَيْمٍ: فَلَا أَدْرِي مَا كَانَ مِنْ رَدِّهِمْ عَلَيْهِ قَالَ: هِيَ الَّتِي يَقُولُ النَّاسُ الرَّجَبِيَّةُ» وَقَوْلُهُ وَلَكِنْ لَيْسَ النَّاسُ عَلَيْهَا يُرِيدُ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «لَا فَرَعَ، وَلَا عَتِيرَةَ» وَالْفَرَعُ هُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوَّلَ وَلَدٍ تَلِدُهُ النَّاقَةُ أَوْ الشَّاةُ يَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فِيهِ لَمَّا سُئِلَ عَنْهُ إنْ تَدَعَهُ حَتَّى يَكُونَ شَعَرِيًّا خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَنْحَرَهُ فَيَلْصَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ وَتُكْفِئَ إنَاءَكَ وَتُولِهَ نَاقَتَكَ يَقُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ لَك أَنْ تَتْرُكَهُ حَتَّى يَشْتَدَّ، وَلَا تَذْبَحَهُ صَغِيرًا فَيَخْتَلِطَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ فَتُحْزِنَ نَاقَتَكَ وَيَنْقَطِعَ لَبَنُهَا بِذَبْحِ وَلَدِهَا فَيُكْفِئَ إنَاءَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ لَبَنٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا فَرَعَ، وَلَا عَتِيرَةَ» فَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ نَهْيٌ عَنْهُمَا، فَلَا بِرَّ فِي فِعْلِهِمَا، وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ نَسْخٌ لِلْوُجُوبِ وَفِعْلُ ذَلِكَ أَيْ لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَهُ وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا بِمَا رَوَى الْحَارِثُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ أَنَّهُ «لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْفَرَائِعُ وَالْعَتَائِرُ قَالَ مَنْ شَاءَ أَفْرَعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفْرِعْ وَمَنْ شَاءَ أَعْتَرَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُعْتِرْ» وَمَا رُوِيَ عَنْ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ مِنْ حَدِيثِ «وَكِيعٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّا كُنَّا نَذْبَحُ ذَبَائِحَ فِي رَجَبٍ فَنُطْعِمُ مَنْ جَاءَنَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا بَأْسَ» قَالَ وَكِيعٌ لَا أَتْرُكُهَا أَبَدًا
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: الْعَتِيرَةُ هِيَ الْفَرَعُ لَا الرَّجَبِيَّةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كَقَوْلِ مَالِكٍ إنَّ الْعَتِيرَةَ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ وَالْفَرَعُ شَيْءٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطْلُبُونَ بِهِ الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ بِأَنْ يَذْبَحَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ بِكْرَ نَاقَتِهِ أَوْ شَاتِهِ، وَلَا يَعْرُوهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِيمَا يَأْتِي بَعْدُ، وَيَرُدُّ قَوْلَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا فَرَعَ، وَلَا عَتِيرَةَ» انْتَهَى، وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَسَخَ الْأَضْحَى كُلَّ ذَبْحٍ وَنَسَخَ صَوْمُ رَمَضَانَ كُلَّ صَوْمٍ وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ كُلَّ غُسْلٍ وَالزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ» وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: قَوْلُهُ كَعَتِيرَةٍ ابْنُ يُونُسَ الْعَتِيرَةُ الطَّعَامُ الَّذِي يُبْعَثُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ أَنْ يُرْسَلَ لِلْمَنَاحَةِ طَعَامٌ انْتَهَى. وَالْكَرَاهَةُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْجَنَائِزِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ مَنَاحَةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا» وَكَذَا جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَنَائِزِ مَنْدُوبًا وَفِي مُخْتَصَرِهِ الْعَتِيرَةُ شَاةٌ كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ يَذْبَحُونَهَا لِأَصْنَامِهِمْ زَادَ الْجَوْهَرِيُّ فِي رَجَبٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ هُنَا انْتَهَى. وَكَانَ ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَزَبَ عَنْهُ كَوْنُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَيَانِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا فِيهِ بِدَلِيلِ نَقْلِهِ فِي تَعْرِيفِهَا كَلَامَ اللُّغَوِيِّينَ دُونَ تَفْسِيرِ مَالِكٍ وَحَمْلِهِ الْعَتِيرَةَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الطَّعَامِ الَّذِي يُبْعَثُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ بِقَوْلِ مَالِكٍ أَكْرَهُ أَنْ يُرْسَلَ لِلْمَنَاحَةِ طَعَامٌ لَيْسَ هُوَ بِمُرَادٍ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، بَلْ مُرَادُهُ بِالْعَتِيرَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُرَادُهُ كَوْنُهُ ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَكَوْنُهُ ذَكَرَ الْمُسْتَحَبَّ مِنْ إطْعَامِ أَهْلِ الْمَيِّتِ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ