الِافْتِرَاسُ وَالْعَدْوُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الِافْتِرَاسُ لَا يَخْتَصُّ بِالْآدَمِيِّ، فَالْهِرُّ مُفْتَرِسٌ بِاعْتِبَارِ الْفَأْرِ وَالْعَدَاءُ خَاصٌّ بِالْآدَمِيِّ، فَالْعَدَاءُ أَخَصُّ مِنْ الِافْتِرَاسِ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الشَّامِلِ طَرِيقَتَيْنِ فِي الْمُفْتَرِسِ الطَّرِيقَةُ الْأُولَى، وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَعَزَاهَا ابْنُ عَرَفَةَ لِلْبَاجِيِّ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَصَحُّ: الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا، وَمُقَابِلُهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ: فِي كَرَاهَةِ أَكْلِ السِّبَاعِ وَمَنْعِ أَكْلِهَا. ثَالِثُهَا: حُرْمَةُ عَادِيهَا الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَالْكَلْبِ وَكَرَاهَةُ غَيْرِهِ كَالدُّبِّ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ وَالْهِرِّ مُطْلَقًا لِرِوَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ مَعَهَا وَابْنِ كِنَانَةَ مَعَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْمَدَنِيِّينَ انْتَهَى.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ تَحْكِي الِاتِّفَاقَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِيمَا لَا يَعْدُو وَتَحْكِي الْخِلَافَ بِالْمَنْعِ وَالْكَرَاهَةِ فِيمَا يَعْدُو، وَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي كَرَاهَةِ مَا لَا يَعْدُو، فَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْكَلْبَ فِيهِ قَوْلَانِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ، وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ، وَصَحَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ التَّحْرِيمَ قَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْعُمْدَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الصَّحِيحُ تَحْرِيمُ الْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ الْعَادِيَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُوَطَّإِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْجَلَّابِ، وَلَا تُؤْكَلُ الْكِلَابُ انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ فِي الْمَذْهَبِ مَنْ نَقَلَ إبَاحَةَ أَكْلِ الْكَلْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ حُكْمُ قَتْلِهَا.
ص (وَهِرٌّ)
ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) : قَالَ الْبُرْزُلِيُّ نَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ أَنَّ قِطًّا عَمِيَ وَفَرَغَتْ مَنْفَعَتُهُ فَاسْتُفْتِيَ فِيهِ شَيْخُنَا الْإِمَامُ بِوُجُوبِ إطْعَامِهِ، وَإِلَّا يُقْتَلُ وَكَذَا مَا يُئِسَ مِنْ مَنْفَعَتِهِ لِكِبَرٍ أَوْ عَيْبٍ، وَهُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا ذَبْحُ الْقِطَطِ الصِّغَارِ وَالْحَيَوَانِ الصَّغِيرِ لِقِلَّةِ غِذَاءِ أُمَّهَاتِهِمْ أَوْ إرَاحَتِهَا مِنْ ضَعْفِهَا وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عِنْدِي الْجَوَازُ لِارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا الْتَقَى ضَرَرَانِ نُفِيَ الْأَكْبَرُ لِلْأَصْغَرِ» وَيُشِيرُ بِقَوْلِهِ، وَهَذَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ لِقَوْلِهِ وَسُئِلَ عِزُّ الدِّينِ عَنْ قَتْلِ الْهِرِّ الْمُؤْذِي هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ إذَا خَرَجَتْ إذَايَتُهُ عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ وَتَكَرَّرَتْ إذَايَتُهُ جَازَ قَتْلُهُ وَاحْتَرَزْنَا بِالْأَوَّلِ عَمَّا فِي طَبْعِهِ مِثْلُ أَكْلِ اللَّحْمِ إذَا كَانَ خَالِيًا أَوْ عَلَيْهِ شَيْءٌ يُمْكِنُ رَفْعُهُ لِلْهِرِّ، فَإِذَا رَفَعَهُ، وَأَكَلَ فَلَا يُقْتَلُ هَذَا، وَلَوْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ طَبْعُهُ، وَاحْتَرَزَ بِالثَّانِي مِمَّا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلْتَةً، فَلَا يُوجِبُ قَتْلَهُ فَلَا يَكُونُ كَالْمَيْئُوسِ مِنْ اسْتِصْلَاحِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا آذَتْ الْهِرَّةُ وَقُصِدَ قَتْلُهَا فَلَا تُعَذَّبُ، وَلَا تُخْنَقُ بَلْ تُذْبَحُ بِمُوسَى حَادٍّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا ذَبَحْتُمْ فَاحْسِنُوا الذِّبْحَةَ» انْتَهَى الْحَدِيثُ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى إذَا يُئِسَ مِنْ حَيَاةِ مَا لَا يُؤْكَلُ فَيُذْبَحُ لِإِرَاحَتِهِ مِنْ أَلَمِ الْوَجَعِ، وَاَلَّذِي رَأَيْتُ: الْمَنْعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي يُذَكَّى لِأَخْذِ جِلْدِهِ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَإِنْ اشْتَدَّتْ آلَامُهُمْ لِشَرَفِ الْآدَمِيِّ عَنْ الذَّبْحِ (قُلْت) : الَّذِي رَأَيْتُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي بِلَادِ بُونَةَ فَأُفْتِيَ فِيهَا بِالْإِجْهَازِ عَلَيْهَا لِإِرَاحَتِهَا وَنَقَلَهَا فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَمِنْ هَذَا إذَا رُمِيَتْ السَّفِينَةُ بِالنَّارِ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَطْرَحُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُمْ فَرُّوا مِنْ مَوْتٍ إلَى مَوْتٍ، وَلَمْ يَرَهُ رَبِيعَةُ إلَّا لِمَنْ طَمِعَ بِنَجَاةٍ أَوْ أَمْنٍ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ هَلَكَ فِيهِ، وَعَنْ رَبِيعَةَ إنْ صَبَرَ فَهُوَ أَكْرَمُ، وَإِنْ اقْتَحَمُوا فَقَدْ غَرِقُوا، وَلَا بَأْسَ بِهِ (قُلْت) : فَظَاهِرُ هَذَا الْجَوَازُ لِاسْتِعْجَالِهِ الْمَوْتَ لِلْإِرَاحَةِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْآدَمِيِّ فَأَحْرَى فِي الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ إذَا كَانَ لِإِرَاحَتِهِ، وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْجِهَادِ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِقَالُ مِنْ مَوْتٍ لِآخَرَ
وَأَمَّا قَتْلُ الْكِلَابِ إذَا آذَتْ فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ: قُلْت الْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ قَتْلَ الْكِلَابِ غَيْرِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مَأْمُورٌ بِهِ إذَا أَضَرَّتْ بِالْمُسْلِمِينَ فَإِنْ كَثُرَ ضَرَرُهَا، وَغَلَبَ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَإِنْ قَلَّ وَنَدَرَ، فَأَيُّ كَلْبٍ أَضَرَّ وَجَبَ قَتْلُهُ وَمَا عَدَاهُ جَائِزٌ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ سَبُعٌ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَأَقَلُّ