شُرُوطِ الذَّابِحِ فَقَالَ: الذَّكَاةُ قَطْعُ مُمَيِّزٍ يُنَاكَحُ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الذَّبْحِ شَرْطَانِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا، فَلَا تَصِحُّ ذَكَاةُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَكْرَانَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِافْتِقَارِ الذَّكَاةِ إلَى نِيَّةٍ بِإِجْمَاعٍ وَالنِّيَّةُ لَا تَصِحُّ مِنْهُمْ، فَلَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُمْ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ شَرْطَ التَّذْكِيَةِ النِّيَّةُ، وَهُوَ الْقَصْدُ إلَى الذَّكَاةِ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَعْقِلُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَغَيْرِهِ: وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ مَنْ لَا يَعْقِلُ مِنْ مَجْنُونٍ أَوْ سَكْرَانَ، وَإِنْ أَصَابَا لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الذَّكَاةِ مِنْ النِّيَّةِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ ذَكَاةُ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْجُنُونُ مُطْبِقًا، وَكَذَلِكَ السَّكْرَانُ، وَأَمَّا لَوْ ذَكَّى الْمَجْنُونُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ أَوْ كَانَ مِمَّنْ يُفِيقُ، فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ كَانَ السَّكْرَانُ يُخْطِئُ، وَيُصِيبُ، فَأَشَارَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إلَى أَنَّهُ يُخْتَلَفُ فِي تَذْكِيَتِهِ انْتَهَى.
وَجَعَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ السَّكْرَانَ الَّذِي يُخْطِئُ وَيُصِيبُ مِمَّنْ يُكْرَهُ ذَبْحُهُ وَتَبِعَهُ فِي الشَّامِلِ الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ يُنَاكَحُ بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ فَيَشْمَلُ كَلَامُهُ الْكِتَابِيَّ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ تَجُوزُ ذَبِيحَتُهُ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا، وَنَصُّهَا: وَذَبِيحَةُ الْحَرْبِيِّينَ، وَمَنْ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ سَوَاءٌ، وَاحْتَرَزَ بِهِ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُ كَالْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالزِّنْدِيقِ وَالصَّابِئِ، وَالصَّابِئَةُ طَائِفَةٌ بَيْنَ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ تَأْثِيرَ النُّجُومِ، وَأَنَّهَا فَعَّالَةٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ بَيْنَ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَعَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَيُصَلُّونَ لِلشَّمْسِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمُرْتَدِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ارْتَدَّ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ فِي قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ ذَكَاتُهُ إذَا ارْتَدَّ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ ذَبْحِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُمَا مَعَ مَنْ يُكْرَهُ ذَبْحُهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ كَرَاهِيَةُ ذَبْحِهِمَا، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَقَالَ قَبْلَهُ فِي آخِرِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَيَجُوزُ ذَبْحُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ تَصِحُّ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَهِيَ الْقَصْدُ إلَى الذَّكَاةِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ فِي صِحَّةِ ذَكَاتِهِمَا قَوْلَيْنِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَرَاهَةِ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي الْمَذْهَبِ رِوَايَةً بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَعَنْ مَالِكٍ تَذْبَحُ الْمَرْأَةُ أُضْحِيَّتَهَا، وَلَا يَذْبَحُ الصَّبِيُّ أُضْحِيَّتَهُ، فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَبِيحَةَ الصَّبِيِّ أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْخِلَافَ مَعَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ، وَأَمَّا مَعَ الضَّرُورَةِ، فَتَصِحُّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَحَكَى اللَّخْمِيُّ قَوْلًا بِالْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَرُورَةٍ
(فَرْعٌ) : تَجُوزُ ذَبِيحَةُ الْعَبْدِ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ ذَبْحِ الْعَبْدِ الْآبِقِ
(فَرْعٌ) : وَتَجُوزُ ذَبِيحَةُ الْأَقْلَفِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُخْتَتَنْ وَحَكَى فِي الْبَيَانِ كَرَاهَةَ ذَكَاتِهِ وَتَبِعَهُ فِي الشَّامِلِ.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْأَخْرَسِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: تَصِحُّ مِنْ الْأَخْرَسِ وَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ انْتَهَى. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يَذْبَحُ الْجُنُبُ، وَإِنْ تَوَضَّأَ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْجَنَائِزِ وَالصَّيْدِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: وَتَجُوزُ ذَبِيحَةُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالْأَغْلَفِ وَالْمَسْخُوطِ فِي دِينِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى فِي ذَلِكَ الْكَمَالَ وَالدِّينَ وَالطَّهَارَةَ فَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَبْتَغُونَ لِذَبَائِحِهِمْ أَهْلَ الْفَضْلِ وَالْإِصَابَةِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ تَمَامَ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ يَعْنِي أَنَّ الذَّكَاةَ الْكَامِلَةَ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ تَحْصُلُ بِقَطْعِ جَمِيعِ الْحُلْقُومِ، وَجَمِيعِ الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُومُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَيْنَهُمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْقَصَبَةُ الَّتِي هِيَ مَجْرَى النَّفَسِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: هُوَ عِرْقٌ وَاصِلٌ بَيْنَ الدِّمَاغِ وَالرِّئَةِ وَالْفَمِ وَالْأَنْفِ يُجْتَلَبُ بِهِ الْهَوَاءُ الرَّطْبُ وَيُدْفَعُ بِهِ الْهَوَاءُ