الْمَعْدُودَاتُ انْتَهَى. فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَقْتَضِي خُرُوجَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَنْ كَوْنِهِ مَحِلًّا لِلنَّحْرِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَا مِنْ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الضَّحَايَا وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَلَيْسَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَيَّامِ الذَّبْحِ، وَإِنْ كَانَ النَّاسُ بِمِنًى انْتَهَى. .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: وَالنَّحْرُ وَالذَّبْحُ بِمِنًى وَمَكَّةَ يَخْتَلِفُ فَأَمَّا مِنًى فَيَخْتَصُّ ذَلِكَ فِيهَا بِأَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ وَهِيَ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ، فَإِنْ ذَهَبَتْ لَمْ يَكُنْ مَنْحَرًا وَلَا مَذْبَحًا إلَّا لِمِثْلِهِ مِنْ قَابِلٍ، وَأَمَّا مَكَّةُ، فَكُلُّ أَيَّامِ السَّنَةِ مَنْحَرٌ بِهَا وَمَذْبَحٌ انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الثَّانِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ فَاتَهُ أَنْ يَقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ فَسَاقَهُ إلَى مِنًى وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْ اللَّخْمِيّ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمَكَانِيُّ بِمِنًى بِشَرْطِ كَوْنِهِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، أَوْ تَالِيَيْهِ فِي حَجٍّ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الطِّرَازِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ وَجَدَ بَدَنَةً بِمِنًى يُعَرِّفُهَا إلَى ثَالِثِ النَّحْرِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ مِنًى، ثُمَّ يَنْحَرُهَا فَإِنْ لَمْ يَنْحَرْهَا بِمِنًى فِي ثَالِثِ النَّحْرِ فَلَا يَنْحَرُهَا بِمِنًى ثَالِثَ أَيَّامِ مِنًى وَلَكِنْ بِمَكَّةَ فَإِنْ نَحَرَهَا بِمِنًى، فَعَلَيْهِ بَدَلُهَا انْتَهَى.
وَنَقَلَ فِي النَّوَادِرِ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ فَقَالَ: وَمَنْ ضَلَّ هَدْيُهُ الَّذِي، أَوْقَفَهُ بِعَرَفَةَ، فَوَجَدَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ مِنًى فَلَا يَنْحَرُهُ إلَّا بِمَكَّةَ لِزَوَالِ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) : قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ: الثَّانِي وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ هِيَ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةٌ بَعْدَهُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِصَلَاةِ التَّشْرِيقِ، وَهِيَ صَلَاةُ الْعِيدِ لِكَوْنِهَا عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، وَسُمِّيَتْ سَائِرُ الْأَيَّامِ بِاسْمِ أَوَّلِهَا كَمَا قِيلَ أَيَّامُ الْعِيدِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ التَّشْرِيقِ أَعَادَ» ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَذْبَحُونَ فِيهَا إلَّا بَعْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الضَّحِيَّةَ لَا تُذْبَحُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَلَا فِي الثَّانِي حَتَّى تَحِلَّ الصَّلَاةُ وَخَالَفَهُ أَصْبَغُ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُشَرِّقُونَ فِيهَا لُحُومَ ضَحَايَاهُمْ أَيْ يَنْشُرُونَهَا لِئَلَّا تَتَغَيَّرَ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَبْرُزُونَ فِيهَا إلَى الْمَشْرِقِ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ النَّاسُ بِمِنًى تِلْكَ الْأَيَّامَ وَكَذَا يَأْتِي لِأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا الْأَرْبَعَةُ أَيَّامُ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَغَيْرِهِ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ هِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ، وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَعْدَ النَّحْرِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَمِثْلُهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ كَانَ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَانَ يُقَالُ لِلْإِفَاضَةِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ أَنْ يُقَالَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]
ص (وَإِلَّا فَمَكَّةُ)
ش: أَيْ وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ تَعَيَّنَ الذَّبْحُ بِمَكَّةَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ فَاتَهُ أَنْ يَقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ فَسَاقَهُ إلَى مِنًى فَلَا يَنْحَرُهُ بِهَا وَلَكِنْ بِمَكَّةَ وَلَا يُخْرِجُهُ إلَى الْحِلِّ ثَانِيَةً إنْ كَانَ قَدْ أَدْخَلَهُ مِنْ الْحِلِّ، فَإِنْ هَلَكَ هَذَا الْهَدْيُ فِي سَيْرِهِ بِهِ إلَى مَكَّةَ، لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ انْتَهَى.
وَقَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ حُكْمِ الْهَدْيِ: مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ هَدْيٍ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِهِ بِعَرَفَةَ فَمَحِلُّهُ مَكَّةُ لَيْسَ لَهُ مَحِلٌّ دُونَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنًى مَحِلًّا لَهُ وَقَالَ: إذَا سَاقَهُ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ فَعَطِبَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَهَا لَا يُجْزِئُهُ، وَهَذَا لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْهَدْيَ مَا وَقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ نُحِرَ بِمِنًى أَيَّامَ النَّحْرِ، فَإِنْ فَاتَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ، أَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فَمَنْحَرُهُ مَكَّةُ هَذَا الَّذِي يَنْبَغِي فِعْلُهُ وَيُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِهِ أَمَّا مَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ فَمَحِلُّهُ عِنْدَ مَالِكٍ مَكَّةُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: كُلُّ مَا نَحَرَهُ بِمِنًى مِمَّا لَمْ يُوقِفْهُ بِعَرَفَةَ لَا يُجْزِئُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَأَجْزَأَ إنْ خَرَجَ لِحِلٍّ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى هَدْيًا مِنْ الْحَرَمِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى الْحِلِّ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: رَوَى أَبُو قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْهَدْيِ إنْ اشْتَرَاهُ فِي الْحَرَمِ، وَذَبَحَهُ فِيهِ أَجْزَاهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
(فَرْعٌ) : إذَا كَانَ الْهَدْيُ مِمَّا يُقَلَّدُ وَيُشْعَرُ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يُقَلِّدَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ إلَى الْحِلِّ فَإِنْ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ فِي الْحَرَمِ