إحْرَامَهُ بِالْوَطْءِ، ثُمَّ فَعَلَ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ مُتَأَوِّلًا أَنَّ الْإِحْرَامَ تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ بِالْفَسَادِ، أَوْ جَاهِلًا، فَإِنَّهَا تَتَّحِدُ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (قُلْت) : وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ مِنْ صُوَرِ ذَلِكَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ مُحَرَّمَاتِهِ، أَوْ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ بَعْضِهَا، وَقَدْ حَمَلَ الشَّارِحُ وَالْبِسَاطِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) : مِمَّا تَتَّحِدُ فِيهِ الْفِدْيَةُ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ يَفْعَلُ جَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ وَاجِبَاتِ الْفِدْيَةِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَنَاسِكِ.
ص (أَوْ نَوَى التَّكْرَارَ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ، وَنَوَى أَنَّهُ يَفْعَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُكَرِّرُهُ، فَإِنَّ الْفِدْيَةَ تَتَّحِدُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ تَرَاخَى الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ كَأَنْ يَلْبَسَ لِعُذْرٍ، وَيَنْوِيَ أَنَّهُ إذَا زَالَ الْعُذْرُ تَجَرَّدَ، فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ الْعُذْرُ عَادَ إلَى اللُّبْسِ، أَوْ يَتَدَاوَى بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ، وَيَنْوِيَ أَنَّهُ كُلَّمَا احْتَاجَ إلَى الدَّوَاءِ بِهِ فَعَلَهُ، وَمَحَلُّ النِّيَّةِ مِنْ حِينِ لُبْسِهِ الْأَوَّلِ قَالَهُ سَنَدٌ، وَهُوَ يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا، ثُمَّ نَزَعَهُ لِيَلْبَسَ غَيْرَهُ، أَوْ نَزَعَهُ عِنْدَ النَّوْمِ لِيَلْبَسَهُ إذَا اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ هَذَا فِعْلٌ وَاحِدٌ مُتَّصِلٌ فِي الْعُرْفِ، وَلَا يَضُرُّ تَفْرِقَتُهُ فِي الْحِسِّ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ فِدْيَةً وَاحِدَةً.
ص (أَوْ قَدَّمَ الثَّوْبَ عَلَى السَّرَاوِيلِ)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَنَاسِكِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ السَّرَاوِيلُ لَا يَفْضُلُ عَنْ الثَّوْبِ، وَأَمَّا إذَا نَزَلَ، فَتَعَدُّدُ الْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّهُ انْتَفَعَ ثَانِيًا بِغَيْرِ مَا انْتَفَعَ بِهِ أَوَّلًا، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ اللَّخْمِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: أَيْضًا مَنْ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْعِمَامَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعِمَامَةُ تَسْتُرُ مَا سَتَرَتْ الْقَلَنْسُوَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَمِيصِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: فِيهَا تَتَّحِدُ فِيهِ الْفِدْيَةُ كَتَقَدُّمِ قَمِيصٍ عَلَى سَرَاوِيلَ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ، وَإِنْ عَكَسَ فَفِدْيَتَانِ، وَأَنْ لَبِسَ قَلَنْسُوَةً، ثُمَّ عِمَامَةً، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ تَفْضُلْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى (قُلْت) : وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ السَّرَاوِيلُ أَطْوَلَ مِنْ الْقَمِيصِ طُولًا يَحْصُلُ بِهِ انْتِفَاعٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ بِيَسِيرٍ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ انْتِفَاعٌ، فَالظَّاهِرُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَشَرْطُهَا فِي اللُّبْسِ انْتِفَاعٌ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ)
ش: اعْلَمْ أَنَّ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ يَحْصُلَ لِلْمُحْرِمِ بِهَا انْتِفَاعٌ لَكِنْ مِنْهَا مَا لَا يَقَعُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَحَلْقِ الشَّعْرِ وَالطِّيبِ، فَهَذَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَمِنْهَا مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ طُولٍ كَاللِّبَاسِ، فَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ فِيهِ إلَّا بِانْتِفَاعِ الْمُحْرِمِ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ، أَوْ طُولٍ كَالْيَوْمِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ رِوَايَةً قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْمُوجِبُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي الْجَمِيعِ حُصُولُ الْمَنْفَعَةِ (قُلْت) : وَلَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ، أَوْ طُولٍ كَالْيَوْمِ؛ لِأَنَّ الطُّولَ الْمَذْكُورَ مَظِنَّةُ حُصُولِ الِانْتِفَاعِ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ بَلْ لَا يَكَادُ يَنْفَكُّ عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِهِ (تَنْبِيهٌ) : فَلَوْ لَبِسَ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، وَلَمْ يَطُلْ ذَلِكَ يَوْمًا وَلَا قَرِيبًا مِنْ الْيَوْمِ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَوْ نَزَعَ مَكَانَهُ، فَلَا فِدْيَةَ هَذَا تَكْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ، أَوْ دَامَ كَالْيَوْمِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ مَا دُونَ الْيَوْمِ يَسِيرٌ، فَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا نَزَعَهُ مَكَانَهُ انْتَهَى.
(قُلْت) : وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا قَارَبَ الْيَوْمَ كَالْيَوْمِ لِقَوْلِهِمْ كَالْيَوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَفِي صَلَاةٍ قَوْلَانِ)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُعَدُّ طُولًا أَمْ لَا، وَقَالَ فِي الْمَنَاسِكِ، وَاخْتَلَفُوا إذَا لَبِسَهُ وَصَلَّى بِهِ صَلَاةً هَلْ يَفْتَدِي؛ لِأَنَّهُ انْتَفَعَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الطُّولِ، وَبِذَلِكَ وَجَّهَ اللَّخْمِيُّ الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فَرَاعَى مَرَّةً حُصُولَ الْمَنْفَعَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَنَظَرَ مَرَّةً إلَى التَّرَفُّهِ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالطُّولِ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ التَّوْجِيهُ الظَّاهِرُ لَا مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ بِطُولٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ فِي الطِّرَازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: بَعْدَ قَوْلِهِ قَالَ مَالِكٌ: يَفْتَدِي وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ، فَفِيهِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْفِدْيَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ