الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَعَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْفُرُوضِ دُخُولَ وَقْتِ الْحَجِّ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْوُقُوفِ فَيَشْتَرِطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ وَزَادَ التَّادَلِيُّ تَقْدِيمَ الطَّوَافِ عَلَى السَّعْيِ ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى السَّعْيِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ تَقَدُّمُ طَوَافٍ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوَاجِبَاتِ الْمُسْتَقِلَّةَ تِسْعَةٌ ثَلَاثَةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ وَثَلَاثَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فِي الْمَذْهَبِ وَخَارِجِهِ، وَهِيَ السَّعْيُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ رُكْنٌ، وَالْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ، وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُمَا لَيْسَا بِرُكْنَيْنِ بَلْ الْأَوَّلُ: مُسْتَحَبٌّ، وَالثَّانِي: سُنَّةٌ أَوْ الْأَوَّلُ سُنَّةٌ وَالثَّانِي وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِالدَّمِ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي وَوَاحِدٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ فَقَطْ، وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِدَمٍ، وَالثَّانِي: مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا خَارِجَ الْمَذْهَبِ فَقَطْ، وَهُمَا النُّزُولُ بِمُزْدَلِفَةَ وَالْحِلَاقُ وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُمَا لَيْسَا بِرُكْنَيْنِ بَلْ سُنَّتَانِ أَوْ وَاجِبَتَانِ يُجْبَرَانِ بِالدَّمِ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَيْضًا إذَا أَتَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الرُّكْنِيَّةَ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَلِيَكْثُرَ الثَّوَابُ؛ إذْ ثَوَابُ الْوَاجِبِ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ السُّنَّةِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهَا فَمِنْهُمْ مَنْ يُقَسِّمُهَا إلَى أَرْكَانٍ وَوَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: وَاجِبَاتٌ أَرْكَانٌ غَيْرُ مُنْجَبِرَةٍ وَوَاجِبَاتٌ غَيْرُ أَرْكَانٍ مُنْجَبِرَةٌ وَسُنَنٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَسِّمُهَا إلَى فُرُوضٍ وَسُنَنٍ وَفَضَائِلَ أَوْ يَقُولُ مُسْتَحَبَّاتٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَسِّمُهَا إلَى فُرُوضٍ وَوَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ، وَبَعْضُ هَؤُلَاءِ يُسَمِّي الْقِسْمَ الثَّانِيَ سُنَنًا مُؤَكَّدَةً أَوْ سُنَنًا وَاجِبَةً، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافٍ فِي الْعِبَارَةِ فَمَا يُسَمِّيهِ الْأَوَّلُ أَرْكَانًا يُسَمِّيهِ الثَّانِي وَاجِبَاتٍ أَرْكَانًا غَيْرَ مُنْجَبِرَةٍ وَيُسَمِّيهِ الْآخَرَانِ فُرُوضًا، مَا يُسَمِّيهِ الْأَوَّلُ وَالرَّابِعُ وَاجِبَاتٍ يُسَمِّيهِ الثَّانِي وَاجِبَاتٍ غَيْرَ أَرْكَانٍ مُنْجَبِرَةٍ وَيُسَمِّيهِ الْآخَرُ سُنَنًا أَوْ سُنَنًا مُؤَكَّدَةً أَوْ سُنَنًا وَاجِبَةً وَمَا يُسَمِّيهِ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالرَّابِعُ سُنَنًا يُسَمِّيهِ الثَّالِثُ فَضَائِلَ أَوْ مُسْتَحَبَّاتٍ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ هُوَ مَا لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ بَدَلٌ لَا دَمٌ، وَلَا غَيْرُهُ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٍ يَفُوتُ الْحَجُّ بِتَرْكِهِ، وَلَا يَتَرَتَّبُ حُكْمٌ بِسَبَبِ تَرْكِهِ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ إمَّا بِتَرْكِهِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ بِتَرْكِ مَا هُوَ شَرْطٌ فِيهِ، وَهُوَ النِّيَّةُ وَتَرْكُ التَّلْبِيَةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ وَقِسْمٍ يَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ وَيُؤْمَرُ بِالتَّحَلُّلِ بِأَفْعَالِ عُمْرَةٍ وَالْقَضَاءِ فِي قَابِلٍ، وَإِنْ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى قَابِلٍ فَأَتَمَّهُ أَجْزَأَهُ، وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ بِاتِّفَاقٍ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُضَافُ إلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ الْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَيُضَافُ إلَى ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ النُّزُولُ بِمُزْدَلِفَةَ وَقِسْمٍ لَا يَفُوتُ الْإِحْرَامُ بِتَرْكِهِ، وَلَكِنْ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِفِعْلِهِ، وَلَوْ صَارَ إلَى أَقْصَى الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ لِيَفْعَلهُ، وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ بِاتِّفَاقٍ، وَالسَّعْيُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَطَوَافُ الْقُدُومِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِرُكْنِيَّتِهِ
وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَا يُطَالَبُ بِالْإِتْيَانِ بِهِ، فَإِنْ تَرَكَهُ لَزِمَهُ دَمٌ، وَهَلْ يَأْثَمُ بِتَعَمُّدِ التَّرْكِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي التَّسْمِيَةِ بِالتَّأْثِيمِ وَعَدَمِهِ فَمَنْ يَرَى وُجُوبَهَا يَقُولُ بِالتَّأْثِيمِ لِتَارِكِهَا، وَمَنْ يَقُولُ: إنَّهَا سُنَّةٌ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ ثُمَّ قَالَ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ: أَصْحَابُنَا يُعَبِّرُونَ عَنْ هَذِهِ الْخِصَالِ بِثَلَاثِ عِبَارَاتٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: وَاجِبَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: وُجُوبُ السُّنَنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ قَالَ: وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا هَلْ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا أَوْ لَا أَوْ أَرَادُوا بِالْوُجُوبِ وُجُوبَ الدَّمِ وَالْأَمْرُ مُحْتَمَلٌ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الِاخْتِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي مَحْضِ عِبَارَةٍ كَمَا قَالَ فِي الطِّرَازِ وَالْخِلَافُ عِنْدِي آيِلٌ إلَى عِبَارَةٍ مَحْضَةٍ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ قَالُوا فِي تَرْكِهِ دَمٌ انْتَهَى.
وَأَمَّا التَّأْثِيمُ بِتَعَمُّدِ التَّرْكِ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ عَصْرِيٌّ الطُّرْطُوشِيُّ