لِلِاخْتِصَارِ فَقَالَ وَرُكْنُهُمَا الْإِحْرَامُ ثُمَّ قَالَ: الطَّوَافُ لَهُمَا ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ السَّعْيُ ثُمَّ ذَكَرَ الرُّكْنَ الرَّابِعَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ الْحَجُّ، وَهُوَ الْوُقُوفُ فَقَالَ: وَلِلْحَجِّ حُضُورُ جُزْءِ عَرَفَةَ فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ الْإِحْرَامُ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ ثَلَاثَةٌ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ فَأَمَّا الْإِحْرَامُ فَحَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى رُكْنِيَّتِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُونَ إنَّهُ شَرْطٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ، وَلَا يَنْجَبِرُ تَرْكُهُ بِشَيْءٍ
وَأَمَّا الْوُقُوفُ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى رُكْنِيَّتِهِمَا نَصَّ عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى رُكْنِيَّةِ الْوُقُوفِ أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ الْقَبَّابُ وَنَصَّ عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى رُكْنِيَّةِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فِي الْإِكْمَالِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ، وَإِنْ كَانَ الطَّحَاوِيُّ حَكَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ نَابَ الدَّمُ مَنَابَهُ حَكَاهُ فِي الطِّرَازِ، وَقَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى رُكْنِيَّةِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ، وَأَمَّا السَّعْيُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ الْقَاضِي إسْمَاعِيل عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَالرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ مَالِكٍ هِيَ قَوْلُهُ: إنَّ مَنْ تَرَكَ السَّعْيَ حَتَّى تَبَاعَدَ وَتَطَاوَلَ الْأَمْرُ فَأَصَابَ النِّسَاءُ أَنَّهُ يُهْدِي وَيُجْزِئُهُ فَفَهِمَ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْهُ أَنَّهُ يَقُولُ: إنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَفَهِمَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ
وَعَدَّ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ الْأَرْكَانِ الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ ذَكَرَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَفِي رَسْمٍ لَيَرْفَعَنَّ أَمْرَهُ إلَى السُّلْطَانِ، وَلَفْظُهُ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ، وَذَهَبَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إلَى أَنَّهُ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ لَا يُجْزِئُ عَنْهُ الدَّمُ لِقَوْلِهِ: عَزَّ وَجَلَّ {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ تَقْدِيمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ، وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ بِعَرَفَةَ أَمَسُّ انْتَهَى.
، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَحَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْهُ أَيْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ لَهُ قَوْلَيْنِ انْتَهَى.
وَلَفْظُ اللَّخْمِيِّ وَاخْتُلِفَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ: إذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مِنًى، وَلَمْ يَنْزِلْ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الدَّمُ، وَإِنْ نَزَلَ بِهَا ثُمَّ دَفَعَ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْ وَسَطَهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ: لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مِنًى انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: وَالثَّالِثُ: إذَا نَزَلَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَلَمْ يَقِفْ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَلَمْ يَنْزِلْ بِمُزْدَلِفَةَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَجَعَلُوا النُّزُولَ بِهَا أَوْكَدَ مِنْ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُمَا: عَلَيْهِ الدَّمُ، وَقَالَ عَلْقَمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ: إذَا لَمْ يَقِفْ بِالْمَشْعَرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ انْتَهَى.
فَأَنْتَ تَرَاهُ لَمْ يُصَرِّحْ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْهُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي لُزُومِ الدَّمِ قَالَ: وَالْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَهُوَ مِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ قَوْلَهُ: اُخْتُلِفَ فِي الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ هَلْ هُوَ رُكْنٌ أَمْ لَا؟ انْتَهَى وَكَذَلِكَ فَهِمَ الْقَبَّابُ أَنَّ نَقْلَ اللَّخْمِيُّ مُخَالِفٌ لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَكَذَلِكَ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجُ قَالَ: لَعَلَّ لَهُ قَوْلَيْنِ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ، وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَلَيْسَ مَا فَهِمُوهُ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ النُّزُولَ بِمُزْدَلِفَةَ غَيْرُ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَقُولُ بِرُكْنِيَّةِ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ وَعَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ بِتَرْكِ النُّزُولِ، وَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْمَبِيتَ سُنَّةٌ لَا يَجِبُ بِتَرْكِهَا دَمٌ، وَالْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ وَاجِبٌ يَجِبُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ هَكَذَا نَقَلَ عَنْهُمْ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْهُمْ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ أَنَّ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ سُنَّةٌ وَحَكَى فِي آخِرِ الْبَابِ