ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِيمَنْ لَيْسَ عَادَتُهُ السُّؤَالَ وَقِبَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ: وَقُدْرَةُ سَائِلٍ بِالْحَضَرِ عَلَى سُؤَالِ كِفَايَتِهِ بِالسَّفَرِ اسْتِطَاعَةٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ سَائِلٍ بِالْحَضَرِ قَادِرٍ عَلَى سُؤَالِ كِفَايَتِهِ فِي السَّفَرِ ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا، وَفِي كَرَاهَتِهِ وَإِبَاحَتِهِ رِوَايَتَا ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَخْرُجُ يَسْأَلُ فَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا أَرَى لِمَنْ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ خُرُوجَهُ لِحَجٍّ أَوْ غَزْوٍ وَيَسْأَلُ النَّاسَ اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ فِيمَنْ كَانَ فِي مَقَامِهِ لَا يَسْأَلُ وَنَقَلَ ابْنُ شَاسٍ سُقُوطَهُ عَنْ مُعْتَادِ السُّؤَالِ ظَانًّا وُجُودَ مَنْ يُعْطِيهِ لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ بِلَفْظِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ لَك صِحَّةَ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ نُصُوصَ الْمَذْهَبِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَجَمِيعُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ وَأَعْيَانِ الْحُفَّاظِ لِنُصُوصِهِ الَّذِينَ لَمْ يَنْقُلُوا فِي لُزُومِ الْحَجِّ خِلَافًا فَهِمُوا رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهَا فِيمَنْ لَيْسَتْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ وَإِلَّا فَمِنْ الْبَعِيدِ عَادَةً أَنَّهُمْ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَيْهَا أَوْ اطَّلَعُوا عَلَيْهَا وَفَهِمُوا أَنَّهَا فِيمَنْ عَادَتُهُ السُّؤَالُ وَجَزَمُوا بِخِلَافِهَا وَلَمْ يُنَبِّهُوا عَلَيْهَا، وَمِنْ الْبَعِيدِ عَادَةً أَيْضًا أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفَ اطَّلَعَا عَلَى النُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَفِيهَا الرِّوَايَةُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَلَمْ يُنَبِّهَا عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَأَنْصَفَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

(تَنْبِيهٌ) حَيْثُ حَرُمَ الْخُرُوجُ لِكَوْنِ الْعَادَةِ عَدَمَ الْإِعْطَاءِ فَقَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِمْ إعَانَتَهُمْ بِمَا تَيَسَّرَ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ بِالشَّرْبَةِ وَالشَّرْبَتَيْنِ وَاللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ وَيَعْرِفهُمْ أَنَّ مَا ارْتَكَبُوا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَعُودُوا لِمِثْلِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ: إنَّهُ يُوَاسِيهِمْ وَلَا يُوَبِّخُهُمْ فِي خُرُوجِهِمْ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ وَنَصُّ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: لَا بِدَيْنٍ أَوْ عَطِيَّةٍ، وَبَعْضُهُمْ لَا يَصِلُ إلَيْهِمْ يَعْنِي الظُّلْمَةَ بِنَفْسِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّوَصُّلِ إلَيْهِمْ بِغَيْرِهِ فَيَخْرُجُ بِغَيْرِ زَادٍ وَلَا مَرْكُوبٍ فَتَطْرَأُ عَلَيْهِ أُمُورٌ عَدِيدَةٌ كَانَ عَنْهَا فِي غِنًى، مِنْهَا عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهَا عَدَمُ الْقُدْرَةِ وَالْوُقُوعُ فِي الْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ، وَتَكْلِيفُ النَّاسِ الْقِيَامَ بِقُوتِهِ وَسَقْيِهِ، وَرُبَّمَا آلَ أَمْرُهُ إلَى الْمَوْتِ وَهُوَ الْغَالِبُ فَتَجِدُهُمْ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ طَرْحَى مَيِّتِينَ بَعْدَ أَنْ خَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ عَلِمَ بِحَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الرَّكْبِ فِي إثْمِهِمْ وَكَذَلِكَ يَأْثَمُ كُلُّ مَنْ أَعَانَهُمْ بِشَيْءٍ لَا يَكْفِيهِمْ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمْ أَوْ سَعَى لَهُمْ فِيهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ غَيْرَهُ يُعِينُهُمْ بِشَيْءٍ تَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُمْ فِي الذَّهَابِ وَالْعَوْدِ فَلَا بَأْسَ إذَنْ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ حَرُمَ عَلَيْهِ الْإِعْطَاءُ لَهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِدُخُولِهِمْ فِيمَا لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْعَطَشِ وَالْجُوعِ وَالتَّعَبِ وَالْإِفْضَاءِ إلَى الْمَوْتِ وَهُوَ الْغَالِبُ؛ فَيَكُونُ شَرِيكًا لَهُمْ فِيمَا وَقَعَ بِهِمْ وَفِيمَا يَقَعُ مِنْ بَعْضِهِمْ مِنْ التَّسَخُّطِ وَالضَّجَرِ وَالسَّبِّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانُوا فِي الطَّرِيقِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِحَالَتِهِمْ إعَانَتُهُمْ بِمَا تَيَسَّرَ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ بِالشَّرْبَةِ وَالشَّرْبَتَيْنِ وَاللُّقْمَةِ وَاللُّقْمَتَيْنِ وَيَعْرِفُهُمْ أَنَّ مَا ارْتَكَبُوا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَعُودُوا لِمِثْلِهِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَاعْتُبِرَ مَا يُرَدُّ بِهِ إنْ خَشِيَ ضَيَاعًا)

ش: لِمَا قُدِّمَ أَوَّلًا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الِاسْتِطَاعَةِ إمْكَانُ الْوُصُولِ خَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ مَا يُرَدُّ بِهِ، فَقَالَ: وَيَعْنِي أَنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ مَا يُوَصِّلُ الْمُكَلِّفَ إلَى مَكَّةَ وَمَا يُرَدُّ بِهِ إنْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الضَّيَاعَ فِي مَكَّةَ وَاعْتُبِرَ مَا يُرَدُّ بِهِ وَمُرَادُهُ مَا يُرَدُّ بِهِ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِمَّا يُمْكِنُهُ التَّعَيُّشُ فِيهِ، كَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَسَاقَهُ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَدَرَ بِهِ فِي الشَّامِلِ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَفِي اعْتِبَارِ مَا يُرَدُّ بِهِ مَشْهُورُهَا لِأَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يُرْتَجَى فِيهَا مَعَاشُهُ انْتَهَى.

وَنَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَالْمُرَاعَى فِي الزَّادِ وَالْمَرْكُوبِ مَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015