أُحِبُّ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يُقِيمَ لِعُمْرَتِهِ ثَلَاثًا بِمَكَّةَ، وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ إذَا اعْتَمَرَ لَمْ يُحْطِطْ عَنْ رَاحِلَتِهِ حَتَّى يَرْجِعَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فَرْضُ الْحَجِّ وَسُنَّةُ الْعُمْرَةِ الْمَوْجُودَةُ فِي غَالِبِ النُّسَخِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَرُفِعَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَلَى النِّيَابَةِ لِلْفَاعِلِ وَنُصِبَ مَرَّةً عَلَى النِّيَابَةِ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ وَالْعَامِلُ فِيهِ الْعُمْرَةُ وَيُقَدَّرُ مِثْلُهُ لِلْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ مَصْدَرَانِ يُقَدَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ وَالْفِعْلِ وَالْمَعْنَى فُرِضَ بِأَنْ يَحُجَّ مَرَّةً وَسُنَّ أَنْ يَعْتَمِرَ مَرَّةً وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ فُرِضَ وَسُنَّتْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الْفَرْضَ وَالسُّنَّةَ وَقَعَ مِنْ الشَّارِعِ مَرَّةً وَلَا يُفِيدُ الْمَعْنَى الْمُرَادَ؛ لِأَنَّ الْمَفْعُولَ الْمُطْلَقَ قَيْدٌ فِي عَامِلِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُنْصَبَ مَرَّةً عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ النَّائِبِ عَنْ الْفَاعِلِ وَالْمَعْنَى فُرِضَ الْمَرَّةُ مِنْ الْحَجِّ وَسُنَّةِ الْعُمْرَةُ مِنْ الْعُمْرَةِ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَرْضُ الْحَجِّ بِفَتْحِ الْفَاء وَسُكُونِ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَيُرْفَعُ سُنَّةٌ بِالْعَطْفِ عَلَيْهِ وَيُجَرُّ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ بِالْإِضَافَةِ، وَمَرَّةٌ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الْبِسَاطِيِّ.

وَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، أَيْ الْمَفْرُوضُ مِنْ الْحَجِّ مَرَّةٌ، وَالْمُسِنُّونَ مِنْ الْعُمْرَةِ مَرَّةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنَّمَا أَطَلْت الْكَلَامَ هُنَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا وَلَمْ يُنَبِّهْ الشَّارِحُ عَلَيْهَا

(وَلِنَشْرَعْ) فِي الْكَلَامِ عَلَى اشْتِقَاقِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمَعْنَاهُمَا لُغَةً وَشَرْعًا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ؛ فَنَقُولُ: الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ، وَقِيلَ: الْقَصْدُ الْمُتَكَرِّرُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ، وَقِيلَ: بِقَيْدِ التَّكْرَارِ انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: أَصْلُ الْحَجِّ الْقَصْدُ وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْعِبَادَةُ حَجًّا لِمَا كَانَتْ قَصْدَ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ وَقِيلَ: الْحَجُّ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّكْرَارِ وَالْعَوْدِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِتَكْرَارِ النَّاسِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - مَثَابَةً لِلنَّاسِ أَيْ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ وَيَثُوبُونَ فِي كُلِّ عَامٍ، انْتَهَى. وَعَلَى الثَّانِي اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْخَلِيلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الصِّحَاحِ؛ لِقَوْلِهِ: الْحَجُّ الْقَصْدُ وَرَجُلٌ مَحْجُوجٌ أَيْ مَقْصُودٌ وَقَدْ حَجَّ بَنُو فُلَانٍ فُلَانًا إذَا أَطَالُوا الِاخْتِلَافَ إلَيْهِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي اللُّغَةِ بِالْوَجْهَيْنِ؛ لِقَوْلِ صَاحِبِ الْقَامُوسِ: الْحَجُّ الْقَصْدُ وَالْكَفُّ وَالْقُدُومُ وَكَثْرَةُ الِاخْتِلَافِ وَالتَّرَدُّدِ وَقَصْدُ مَكَّةَ لِلنُّسُكِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمِ «أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا» ، وَقَوْلُ الرَّجُلِ: «أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ» الْحَدِيثَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ هَلْ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ أَوْ يَتَوَقَّفُ فِيمَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ عَلَى الْبَيَانِ فَلَا يُحْكَمُ بِاقْتِضَائِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ مُقْتَضٍ لِلتَّكْرَارِ وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ يَرَى بَعْضَ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَاخْتُلِفَ فِي إطْلَاقِ الْحَجِّ عَلَى الْعِبَادَةِ الْمَشْرُوعَةِ فَقِيلَ: حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ، وَأَنَّ الْحَجَّ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ الْقَصْدُ أَوْ الْقَصْدُ الْمُتَكَرِّرُ غَيْرَ أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ أُمُورًا لَا بُدَّ مِنْهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَقِيلَ: إنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ نَقَلَهَا الشَّارِعُ مِنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ إلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةٍ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَإِنْ صَادَفَ أَنَّ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ عَلَّاقَةً لِأَمْرٍ اتِّفَاقِيٍّ وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَقِيلَ: إنَّهُ نُقِلَ إلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِمُنَاسِبَتِهِ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَالْمَازِرِيَّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ.

قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَقْوَالُ جَارِيَةٌ عَلَى الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا، وَكَلَامُ صَاحِبِ الْقَامُوسِ الْمُتَقَدِّمِ يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ قَصْدَ مَكَّةَ لِلنُّسُكِ مِنْ جُمْلَةِ مَعَانِي الْحَجِّ فِي اللُّغَةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ فَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ مَعْنَى الْحَجِّ فِي اللُّغَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ الْقَصْدُ ظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ الْمُتَكَرِّرُ فَقِيلَ فِي وَجْهِ مُنَاسَبَةِ الْحَجِّ فِي الشَّرْعِ لَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015