بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ كَوْنِهَا مُؤَكَّدَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ مَالِكٌ: الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ كَالْوِتْرِ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنْسَكِهِ هِيَ أَوْكَدُ مِنْ الْوِتْرِ، وَفِي الْمُوَطَّإِ قَالَ مَالِكٌ: الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَخَّصَ فِي تَرْكِهَا انْتَهَى.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: حَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ لَا نَعْلَمُ مَنْ رَخَّصَ فِي تَرْكِهَا عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ وَذَلِكَ جَهْلٌ مِنْهُ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنْسَكِهِ: قَالَ مَالِكٌ: الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ كَالْحَجِّ وَهِيَ أَوْكَدُ مِنْ الْوِتْرِ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] بَعْدَ قَوْلِهِ {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] كَلَامٌ مُؤْتَنَفٌ وَقَدْ قُرِئَتْ بِالرَّفْعِ، وَقِيلَ: إنَّمَا أُمِرَ بِإِتْمَامِهَا مَنْ دَخَلَ فِيهَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ: هِيَ فَرْضٌ كَالْحَجِّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَنَازَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ؛ وَلِأَنَّهَا نُسُكٌ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ فَلَا تَكُونُ وَاجِبَةً كَطَوَافِ التَّطَوُّعِ وَلِعَدَمِ ذِكْرِهَا فِي حَدِيثِ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: هِيَ فَرْضٌ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: كَرِهَ مَالِكٌ الِاعْتِمَارَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالْمُجَاوِرِينَ بِهَا وَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ عُمْرَةٌ إنَّمَا عُمْرَتُكُمْ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ انْتَهَى.

(قُلْت) : وَهُوَ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ فِي الْمَذْهَبِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى النَّاسِ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تَجِبُ بِالنَّذْرِ وَيَجِبُ إتْمَامُهَا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَحُكْمُهَا بَعْدَ الْمَرَّةِ الْأُولَى الِاسْتِحْبَابُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَبِيرُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ الثَّانِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ، وَأَمَّا أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ فَيَنْتَفِي عَنْهَا التَّأْكِيدُ وَتَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَبَّةً انْتَهَى.

وَيُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُكَرِّرْهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَأَجَازَ ذَلِكَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةٌ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ: وَفَرَّطَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الْعُمْرَةِ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ قَضَتْهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ أَلْفَ عُمْرَةٍ وَحَجَّ سِتِّينَ حَجَّةً وَحُمِلَ عَلَى أَلْفِ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَعْتَقَ أَلْفَ رَقَبَةٍ انْتَهَى.

وَقَالَ سَنَدٌ: كَرِهَ مَالِكٌ تَكَرُّرَهَا فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً وَحَكَى كَرَاهَةَ ذَلِكَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَعْتَمِرُ كُلَّ يَوْمٍ وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَعْتَمِرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءً عَنْ نَذْرٍ أَوْ لِوَجْهٍ رَآهُ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ فَرَّطَتْ فِي الْعُمْرَةِ سَبْعَ سِنِينَ فَقَضَتْهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَفَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ أَوْ نَدَبَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَقْطَعُ الْعُذْرَ، انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْن الْمَوَّازِ جَوَازَ تَكْرَارِهَا فِي السَّنَةِ مِرَارًا وَاخْتَارَهُ وَنَصُّهُ: قَالَ مُطَرِّفٌ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِالْعُمْرَةِ فِي السَّنَةِ مِرَارًا، قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا أَرَى أَنْ يَمْنَعَ أَحَدٌ مِنْ أَنْ يَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ وَلَا مِنْ الِازْدِيَادِ مِنْ الْخَيْرِ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَأْتِ بِالْمَنْعِ مِنْهُ نَصٌّ، انْتَهَى.

وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ ابْنَ الْمَوَّازِ قَالَ ذَلِكَ فِي الِاعْتِمَارِ مِرَارًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ فِي الْمَرَّتَيْنِ فَقَطْ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي كَرَاهَةِ تَكْرَارِ الْعُمْرَةِ فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ قَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ الْكَرَاهَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015