انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ: فَإِنْ شَرَطَ سُقُوطَ الْقَضَاءِ لِحُدُوثِ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُفِدْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَثَالِثُهَا إنْ وَقَعَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَإِلَّا بَطَلَ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (بَابُ فَرْضِ الْحَجِّ وَسُنَّةِ الْعُمْرَةِ مَرَّةً)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَنَا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ عَنْهُ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ قُلْت: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ثُمَّ قَالَ: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ «لَوْ قُلْت: نَعَمْ لَوَجَبَتْ ثُمَّ إذًا لَا تَسْمَعُونَ وَلَا تُطِيعُونَ وَلَكِنَّهَا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ» انْتَهَى.
قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: إنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] ، وَالرَّجُلُ السَّائِلُ هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ كَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ طَرِيقِ النَّسَائِيّ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مَنَاسِكِهِ وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ، وَقَالَ بَعْضُ مَنْ شَذَّ: أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ.» قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ رِوَايَةُ هَذَا الْحَدِيثِ حَرَامٌ فَكَيْفَ إثْبَاتُ حُكْمٍ بِهِ؟ ، يَعْنِي أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَقَالَ فِي الْقَبَسِ: وَذَكَرَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ؛ لِحَدِيثٍ رَوَوْهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى.
وَهَذَا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِشُذُوذِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَقَائِلُهُ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِ وُرُودِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالتَّأَكُّدِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ، كَمَا حَمَلَ الْعُلَمَاءُ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الْآتِي ذِكْرُهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ بَعْدَ الْمَرَّةِ الْأُولَى إلَّا أَنْ يُنْذِرَهُ أَوْ يُرِيدَ دُخُولَ مَكَّةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ أَوْ بِهِمَا، وَيُسْتَحَبُّ الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ لِمَنْ حَجَّ الْفَرْضَ وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي كُلِّ خَمْسِ سِنِينَ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: إنَّ عَبْدًا صَحَّحْت لَهُ جِسْمَهُ وَوَسَّعْت عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ تَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَا يَمْضِي إلَيَّ لَمَحْرُومٌ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالتَّأَكُّدُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ انْتَهَى.
وَهَذَا مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى إخْلَاءِ الْبَيْتِ عَمَّنْ يَقُومُ بِإِحْيَائِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ إحْيَاؤُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْجِهَادِ فَإِنَّهُ عَدَّ فِيهِ زِيَارَةَ الْكَعْبَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: لَوْ تَرَكَ النَّاسُ زِيَارَةَ هَذَا الْبَيْتِ عَامًا وَاحِدًا مَا أُمْطِرُوا، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: «لَوْ تَرَكَ النَّاسُ زِيَارَةَ هَذَا الْبَيْتِ عَامًا مَا أُمْطِرُوا» وَقَالَ التَّادَلِيُّ بَعْدَ كَلَامِ صَاحِبِ الْقَبَسِ الْمُتَقَدِّمِ: وَهَذَا مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى إخْلَاءِ الْبَيْتِ عَمَّنْ يَقُومُ بِإِحْيَائِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَأَمَّا إذَا خِيفَ إخْلَاؤُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ إحْيَاؤُهُ وَفِي كُلِّ سَنَةٍ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي رَوْضَتِهِ فَقَالَ: وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ بِالْحَجِّ فِي كُلِّ سَنَةٍ هَكَذَا أَطْلَقُوا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ بَلْ وَالِاعْتِكَافُ وَالصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّ التَّعْظِيمَ وَإِحْيَاءَ الْبُقْعَةِ يَحْصُلُ بِكُلِّ ذَلِكَ ((قُلْتُ)) : وَلَا