وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب، ولهذا أمر بهجره، وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب وأتباعه ثم قيل عن الحارث: إنه راجع عن قوله1. فهذا النهج الذي أحدثه ابن كلاب هو ما صار يعرف فيما بعد بمنهج متكلمة الصفاتية لأن ابن كلاب كان في طريقته يميل إلى مذهب أهل الحديث والسنة، لكن كان في طريقته نوع فن البدعة، لكونه أثبت قيام الصفات بذات الله، ولم يثبت قيام الأمور الاختيارية بذاته.
وقد كانا له جهود في الرد على الجهمية2 ولكنه ناظرهم بطريق قياسية سلم لهم فيها أصولا هم واضعوها من امتناع تكلمه تعالى بالحروف، وامتناع قيام الصفات الاختيارية بذاته مما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال والكلام وغير ذلك3 فأصبح بعد ذلك قدوة وإماما لمن جاء بعده من هذا الصنف الذين أثبتوا الصفات وناقضوا نفاتها، لكن شاركوهم في بعض أصولهم الفاسدة التي أوجبت فساد بعض ما قالوه من جهة المعقول ومخالفته لسنة الرسول"4
فابن كلاب أحدث مذهبا جديدا، فيه ما يوافق السلف وفيه ما يوافق المعتزلة والجهمية. وبذلك يكون قد أسس مدرسة ثالثة وهي مدرسة " الصفاتية " التي اشتهرت بمذهب الإثبات، لكن في أقوالهم شيء من أصول الجهمية5