هذه الوصية -بالعناية بالعلم حال الصِّغر- تلتقي تمامًا مع موقفٍ عمليٍّ وقع لابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، يترجم فيه هذه الوصية؛ إذ يقول رضي الله عنهما: لمَّا توفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت لرجلٍ من الأنصار: يا فلان، هلمَّ فلنسأل أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنَّهم اليوم كثيرٌ! فقال: واعجبًا لك يا بن عباسٍ! أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من ترى؟ فتركت ذلك، وأقبلت على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائلٌ، فأتوسَّد ردائي على بابه، فتسفي الرِّيح على وجهي التراب، فيخرج فيراني، فيقول: يابن عمِّ رسول الله، ما جاء بك؟ ألا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحقُّ أن آتيك، فأسأله عن الحديث، قال: فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس عليَّ، فقال «كان هذا الفتى أعقل منِّي» (?).
إنَّ هذا النموذج من الشباب المثبِّطين، أو الذين لا ينظرون لأبعاد الأمور - يفوِّتون على أنفسهم وعلى غيرهم فرص البناء والتحصيل العلميِّ، والسبب؟ وجود الأكابر في حياتهم! وأنَّ الناس لن يحتاجوا لهم في وجودهم! والسؤال الذي ينبغي أن يسأله هؤلاء أنفسهم: هؤلاء الأكابر، ألم يكونوا يومًا من الدهر صغارًا مثلكم؟! ثم صاروا كبارًا احتاج الناس إلى علمهم؟ فالله الله أيُّها الشباب، ضعوا القطن في آذانكم ولا تستمعوا لهذه المقولات التي لا تُنتج إلا جيلًا من الكُسالى، وفئامًا من الزَّمنى في علمهم وعملهم! وتأكَّدوا أنَّكم وإن كنت اليوم صغار قومٍ، فستكونون كبار قومٍ آخرين (?)،
وسيحتاج الناس إلى علمكم