اشتهيته!»، قال: «أو كلَّما اشتهيت شيئًا اشتريته؟ أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20]؟!» (?).
وكتب عمر إلى أبي عبيدة، فذكر كلامًا، وقال (?):
«فغمِّض عن الدُّنيا عينك، وولِّ عنها قلبك، وإيَّاك أن تهلكك كما أهلكت من كان قبلك؛ فقد رأيت مصارعها، وأُخبرت بسوء أثرها، على أهلها: كيف عري من كست، وجاع من أطعمت، ومات من أحيت؟! ... وأنت غائبٌ منتظرٌ متى سفره في غيره دار مقامٍ، قد نضب ماؤها، وهاجت ثمرتها، فأحزم الناس الراجل منها إلى غيرها بزاد بلاغٍ».
ووضوح هذه المواعظ والوصايا يغني عن التعليق عليها، إلا أنَّه يحسن الإشارة إلى أنَّ هذه المواعظ يعظم وقعها حين تصدر من مثل عمر - رضي الله عنه -؛ فهو الذي تولَّى خلافة المسلمين عشر سنواتٍ، فما مالت به الدُّنيا ولا أطاحت، كان يلي من بلدان المسلمين ما يوازي عشر دولٍ عربيَّةٍ بل أكثر! ومع هذا لم يفتنه بهرجها، ولم يطغ، بل عاش عيشةً أذهلت رسول كسرى حين جاء يطلبه ليوصل له رسالة من سيِّده، فلم يزد - حين رآه متوسِّدًا التراب - إلا أن قال: «عدلت فأمنت فنمت».
إنَّ التاريخ والواقع يثبتان أنَّ أعظم شيءٍ يفسد صاحب العلم، ومن تولَّى شأنًا من شؤون المسلمين هو: الطمع في الدُّنيا والتعلُّق بها تعلُّقًا ينسي الآخرة! وكلام السلف مع ما يشاهده الإنسان يغني عن الإطالة في بيان ذلك.