• ولقد رويت عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها بعض المواعظ؛ منها قولها (?):
«من أسخط النَّاس برضا لله، كفاه النَّاس، ومن أرضى النَّاس بسخط الله، وكله الله إلى النَّاس».
هذه الموعظة رويت مرفوعةً إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كما عند الترمذيِّ وغيره - أنَّ معاوية - رضي الله عنه - كتب إلى عائشة أمِّ المؤمنين: أن اكتبي إليَّ كتباً توصيني فيه، ولا تكثري عليَّ، فكتبت عائشة إلى معاوية: «سلامٌ عليك أمَّا بعد: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من التمس رضاء الله بسخط النَّاس، كفاه الله مؤنة النَّاس، ومن التمس رضاء النَّاس بسخط الله، وكله الله إلى النَّاس)، والسَّلام عليك» (?).
والصحيح وقفه على عائشة كما أشار إليه الترمذيُّ، ورواه الحفَّاظ عنها رضي الله عنها.
والمقصود من هذه الموعظة: أن يتحرَّى العبد مرضاة الله وإن سخط من سخط، خاصة لمن ولَّاه الله تعالى مكانًة أو إدارةً أو رئاسةً؛ فإنَّ دواعي التماس الرِّضا من الخلق كثيرةٌ، ولكنَّها لا تُغني إذا صادمت رضا الله - عز وجل -، وتأمَّل في قوله تعالى: ... {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 96]، فقد ذمَّ الله هؤلاء المنافقين الذين يحلفون بالله تعالى من أجل كسب رضا النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، مع ما استقرَّ في نفوسهم من الكفر والكبر، فالتمسوا رضا المخلوق في غفلةٍ عن رضا الخالق سبحانه، فلم ينفعهم ذلك.