ويروى عن أمير المؤمنين أبي الحسن عليٍّ - رضي الله عنه - أنَّه خرج على أصحابه مرةً وهو يقول: «ما أبردها على الكبد! ما أبردها على الكبد!»، فقيل له: وما ذاك؟! قال: «أن تقول للشيء لا تعلمه: الله أعلم» (?).

وفي مقدمة صحيح مسلمٍ: أنَّ يحيى بن سعيدٍ الأنصاريَّ قال للقاسم بن محمدٍ: يا أبا محمدٍ، إنَّه قبيحٌ على مثلك، عظيمٌ أن تُسأل عن شيءٍ من أمر هذا الدِّين، فلا يوجد عندك منه علمٌ ولا فَرَجٌ - أو علمٌ ولا مخرجٌ- فقال له القاسم: وعمَّ ذاك؟ قال: لأنَّك ابن إمامي هُدى: ابن أبي بكرٍ، وعمر! قال القاسم: أقبح من ذاك ... - عند من عقل عن الله - أن أقول بغير علمٍ، أو آخذ عن غير ثقةٍ، قال: فسكت فما أجابه (?).

وهذا يزيد بن هرمز- شيخ الإمام مالكٍ، رحمهما الله تعالى- يقول: «إنِّي لأحبُّ أن يكون من بقايا العالم بعده: «لا أدري»؛ ليأخذ به من بعده» (?)؛ أي: ينبغي للعالم أن يسمع منه تلاميذه مثل هذه الكلمة: «لا أدري»؛ ليتربَّى طلابه على ذلك.

إنَّ مثل هذه الموعظة العمليَّة من ابن عمر رضي الله عنهما، وما سقته من بعض آثار السلف- في هذه المسألة- لتؤكِّد ضرورة التوقِّي في هذا الباب، والحذر من الإفتاء بغير علمٍ، خاصة في هذا العصر الذي صارت المعلومة فيه تنتقل إلى الآفاق في ثوانٍ معدودةٍ.

هذه بعضٌ من مواعظ هذا الصحابيِّ الجليل ابن عمر رضي الله عنهما، وما زال في كنانة أبي عبد الرحمن جملةٌ من المواعظ التي سنتوقَّف عندها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015