على قدر مبارزته بالذُّنوب، وعلى مقادير تلك الذُّنوب؛ يفوح منه ريح الكراهة فمتقته القلوب، فإن قلَّ مقدار ما جنى، قلَّ ذكر الألسن له بالخير، وبقي مجرد تعظيمه، وإن كثر كان قصارى الأمر سكوت الناس عنه، لا يمدحونه ولا يذمُّونه.
وربَّ خالٍ بذنب كان سبب وقوعه في هوَّة شقوةٍ في عيش الدُّنيا والآخرة! وكأنَّه قيل له: ابق بما آثرت! فيبقى أبدًا في التخبيط.
فانظروا إخواني إلى المعاصي أثَّرت وعثَّرت، فتلمحوا ما سطرته، واعرفوا ما ذكرته، ولا تهملوا خلواتكم ولا سرائركم؛ فإنَّ الأعمال بالنية، والجزاء على مقدار الإخلاص» (?) ا. هـ.
* * *
• ومن مواعظه - رضي الله عنه - (?):
«أنصف أذنيك من فيك؛ فإنَّما جعل لك أذنان اثنتان وفمٌ واحدٌ؛ تسمع أكثر ممَّا تقول».
ووضوح هذه الموعظة يغني عن بيانها، وكلام الحكماء في هذا المعنى كثيرٌ، وهم متَّفقون على ذمِّ الكلام بلا فائدةٍ، وإن كان بفائدةٍ فمحلُّ الذمِّ منه الكثرة التي تبعث على السآمة، أو تبدي فلتات لسانه مواطن العثار من عقله؛ ولهذا قال المهلَّب بن أبي صفرة: لأن أرى لعقل الرجل فضلًا على لسانه أحبُّ إليَّ من أن أرى للسانه فضلًا على عقله (?).