وبالجملة، فإنَّ من أكثر من ذكر الموت، أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاطٌ في العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرِّضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة (?).
وثالث وصايا أبي الدرداء لهذا الرجل: «وإذا أشرفت نفسك على شيءٍ من الدُّنيا، فانظر إلى ما يصير»! إي والله! إنَّها لسلوةٌ وأيُّ سلوةٍ؟! فمن تعلَّقت نفسه أو أشرفت على شيءٍ من حطام الدُّنيا حتى تأثَّر قلبه بذلك، فليبادر إلى تذكُّر مصير هذه الحياة، التي قال فيها خالقها سبحانه: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَاكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24]. وقد كثرت من أبي الدرداء أمثال هذه الوصايا، ومن ذلك قوله - رضي الله عنه -: «لو تعلمون ما أنتم راؤون بعد الموت، ما أكلتم طعامًا بشهوةٍ، ولا شربتم شرابًا على شهوةٍ، ولا دخلتم بيتًا تستظلُّون فيه، ولحرصتم على الصعيد تضربون صدوركم وتبكون على أنفسكم! ولوددتُّ أنِّي شجرةٌ تعضد ثم تؤكل» (?).
وقال مرةً يعظ أهل دمشق: «يا أهل دمشق، اسمعوا قول أخٍ لكم ناصحٍ، ما لي أراكم تجمعون فلا تأكلون؟ وتبنون فلا تسكنون؟ وتأملون فلا تدركون؟ إنَّ من كان من قبلكم جمعوا كثيرًا، وبنوا شديدًا، وأمَّلوا