إنَّها رسالةٌ واضحةٌ، وعلامةٌ تجيب عن سؤالٍ يطرحه كثيرون - إمَّا بلسان الحال أو المقال-: ما سرُّ حبِّ الناس لهذا الإنسان؟ وما سرُّ بغضهم لذاك؟! قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنَّ الله إذا أحبَّ عبدًا، دعا جبريل فقال: إنِّي أحبُّ فلانًا فأحبَّه، قال: فيحبُّه جبريل، ثمَّ ينادي في السَّماء فيقول: إنَّ الله يحبُّ فلانًا فأحبُّوه، فيحبُّه أهل السَّماء، قال: ثمَّ يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدًا، دعا جبريل فيقول: إنِّي أبغض فلانًا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثمَّ ينادي في أهل السَّماء: إنَّ الله يبغض فلانًا فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثمَّ توضع له البغضاء في الأرض) (?).
إنَّ بعث أبي الدرداء لهذه الموعظة لأميرٍ من أمراء المسلمين ليؤكِّد صورتين مشرقتين في العلاقة بين الحاكم والعالم، تطبيقًا لمبدأ النصيحة الذي قرَّره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حديث تميمٍ الدَّاريِّ: (الدِّين النَّصيحة)، قلنا: لمن؟ قال: (لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين، وعامَّتهم) (?).
أمَّا الصورة الأولى، فهي قيام العالم بما أوجب الله عليه من بذل النُّصح للحكَّام.
وأمَّا الصورة الثانية، فهي قبول هذه النصيحة، وشكر الناصح، وإكرامه.
ولا تزال الأمة بخيرٍ ما تناصحوا بينهم، وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، كما قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: «لن تزالوا بخيرٍ ما أحببتم خياركم، وما قيل فيكم الحقُّ فعرفتموه؛ فإنَّ عارفه كفاعله» (?).