إلى جهادٍ ومجاهدةٍ، وهكذا هي المطالب الكبار؛ تحتاج إلى قلوبٍ كبارٍ، لا حرمنا الله وإيَّاكم بمنِّه وكرمه هذا النعيم بسبب ذنوبنا.
وأمَّا الجملة الثانية في هذه الموعظة، فهي قوله: «واعلم يا بُنيَّ أنَّ المؤمن يموت بين حسنتين: حسنةٍ قدَّمها، وحسنةٍ أخَّرها»؛ أي: إنَّ نجاته وفوزه وربحه وفلاحه إنَّما هو بهذه الحسنات التي ينجو بها العبد بعد رحمة الله، وما سوى ذلك عطبٌ وهلاكٌ، وما أهلك الأفراد والأمم في الدُّنيا والآخرة إلا السيِّئات؛ قال سبحانه: {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الزمر: 51].
• ومن مواعظه - رضي الله عنه - قوله (?):
«إنَّك تجالس قومًا لا محالة يخوضون في الحديث، فإذا رأيتهم غفلوا، فارغب إلى ربِّك - عز وجل - عند ذلك رغباتٍ». ما أكثر مجالس الغفلة التي يُبتلى بها الإنسان، خاصةً في زمننا هذا! والواجب على المؤمن البعد عن هذه المجالس، فإن ابتُلي بها فليستعمل معها هذه الوصيَّة من معاذٍ - رضي الله عنه -، وهي الاشتغال بذكر الله تعالى، والتفكُّر فيما يمكن التفكر فيه من المعاني التي تزيد الإيمان. ويعظم الأمر حين يكون الخوض في آيات الله وشريعته، فحينئذٍ يكون ذلك المجلس مجلس نفاقٍ وموطنًا من مواطن الظالمين، كما قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]، وقال سبحانه: