قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بَعْضَكُمْ إِلَى مُلُوكِ الأَعَاجِمِ، فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيَّ، كَمَا اخْتَلَفَتْ بَنُوا إِسْرَائِيل عَلَى عِيسَى بن مَرْيَم.

فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللهِ نُؤَدِّي عَنْكَ مَا تُرِيدُ، فَابْعَثْنَا حَيْثُ شِئْتَ، انْتَدَبَ - صلى الله عليه وسلم - سِتَّةً مِنَ الصَّحَابَةِ لِيَحْمِلُوا كُتُبَهُ إِلَى مُلُوكِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَكَانَ أَحَدُ هَؤُلاءِ السِّتَّةِ عَبْد اللهِ بن حَذَافَةَ السَّهْمِيُّ، اخْتَارَهُ لِحَمْلِ رِسَالَتِهِ إِلَى كِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ.

فَجَهَّزَ عَبْدُ اللهِ رَاحِلَتَهُ وَوَدَّعَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ، وَمَضَى إِلَى غَايَتِهِ تَرْفَعُهُ النّجَادُ وَتَحُطُّهُ الْوِهَادُ، حَتَى دِيَارِ فَارِسٍ، فَاسْتَأْذَنَ بِالدُّخُولِ عَلَى مَلِكِهَا، وَأَخْطَرَ أَعْوَان الْمَلِكِ بِالرِّسَالَةِ التَّي يَحْمِلُهَا بِأَنَّهَا ذَاتَ اهْتِمَامٍ.

عِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ كِسْرَى بِإِيوَانِهِ فَزُيِّنَ، وَدَعَا عُظَمَاءِ فَارِسٍ لِحُضُورِ مَجْلِسِهِ، فَحَضَرُوا، ثُمَّ أَذِنَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ بِالدُّخُولِ، فَدَخَلَ عَبْدُ اللهِ بْن حُذَافَة عَلَى سَيِّدِ فَارِسٍ، مُشْتَمِلاً شَمْلَتُهُ، مُرْتَدِيًا عبَاءَتِهِ الصَّفِيقَةِ، عَلَيْهِ بَسَاطَةُ الأَعْرَابِ.

لَكْنَّهُ عَالِي الْهِمَّةِ، مَشْدُودَ الْقَامَةِ، تَأَجَجُ بَيْنَ جَوَانِحِهِ عِزَّةُ الإِسْلامِ فَلَمَّا رَآهُ كِسْرَى مُقْبِلاً أَشَارَ

إِلَى أَحَدِ رِجَالِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْكِتَابَ.

فَقَالَ: لا، إِنَّمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَدْفَعُهٌ لَكَ يَدًا بِيَدٍ لا أُخَالِفُ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ كَسْرَى لِرِجَالِهِ: اتْرُكُوهُ يَدْنُو مِنِّي، فَدَنَا مِنْ كِسْرَى، فَنَاوَلَهُ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ.

ثُمَّ دَعَا كِسْرَى كَاتِبًا عَرَبِيًّا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَفُضَّ الْكِتَابَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ، فَإَذَا فِيهِ " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسٍ، سَلامٌ عَلَى مَنِ اتْبَعَ الْهُدَى» .

وَلَمَّا سَمِعَ كِسْرَى هَذَا الْمِقْدَارَ مِنْ الرِّسَالَةِ اشْتَعَلَ غَضَبَهُ فِي صَدْرِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015