فَقَامَ القوم بواجبات خدمته وإكرامه حتَّى قويت حواسه وجوارحه ومداركه وأخذ يعمل كما يعمل القوم فجاء رجل من عقلائهم قائلاً يا هذا إن هذه الدار توطنها مكرموك ما هي دار إقامة ولا هي مملوكة لأحد من الخلق ولكنهم أمثالك نزلاء من كانوا يعمرون هذه الدار قبلهم ثم رحلوا وتركوها وما كان رحيلهم إلى مكان بعيد ولكنه كان إلى سجن ضيق ومكان مظلم لو أرسلت ببصرك لرأيته وقد فقدوا تلك القوى وتناسوا ذلك النعيم.

ثم أخذ بيدِهِ إلى مكان قفر وأعني المقبرة وَقَالَ له هذا مراح القوم ومسقط رؤسهم وإن الطريق التي توصلك إلى هؤلاء القوم هي الطريق التي سلكها مكرموك وإنها لطريق ذات عقبات مهلكة ولها أوحال من تورطها هلك ولا مخلص من تلك الأوحال إلا بتجنب تلك العقبات أو تجاوزها عدواً.

فإن رمت السلامة فسر فريداً متحفظاً من تخاصم القوم وتنازعهم ومن ملاهيهم وألعابهم ولا تصغ لمن يناديك من خلفك فإن الَّذِي يناديك من خلفك في طريق النجاة هو أجهل منك بها ولا تخالف من ناداك من الأمام فإنهم أدرى منك بمفاوز الطريق.

وإياك أن تشتبه عَلَيْكَ الطريق وأصوات المنادين فإن طريق السلامة لها أعلام ومصابيح نيرة على رأس كل مرحلة من مراحلها وأما باقي الطريق فإنها مظلمة موحشة مهلكة وما هي إلا طريق واحدة ولكنها ذات شعب ومسارب كثيرة.

فاحذر إن تتهاون بنفسك كما تهاون القوم بنفوسهم فهلكوا وهم لا يشعرون فإن كان النازل الغريب على استعداد لتعقل النصائح وذا قابلية تقبل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015