قتل حاملي لواء المشركين وكسر شوكتهم وتوليهم الأدبار

وَكَانَ قَزْمَانُ يُعْرَفُ بِالشَّجَاعَةِ، وَقَدْ تَأَخَّرَ، فَعَيّرَتْهُ نِسَاءُ بَنِي ظَفَرٍ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ ?، وَهُوَ يُسَوِّي الصُّفُوفَ حَتَّى انْتَهَى إِلى الصَّفِّ الأَوَّلِ فَكَانَ عَلَى مَا قِيلَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى فِي صَفِّ الْمُسْلِمِينَ بِسَهْمٍ، فَجَعَلَ يُرْسِلُ نَبْلاً كَأَنَّها الرِّمَاحُ، وَيَكُتُّ كَتِيتَ الْجَمَلِ، ثُمَّ فَعَلَ بِالسَّيْفِ الأَفَاعِيلَ حَتَّى قَتَلَ سَبْعَةً.

وَأَصَابَتْهُ جِرَاحٌ فَوَقَعَ، فَنَادَاهُ قَتَادَةُ بن النُّعْمَان: أَبَا الْغَيْدَاقِ هَنِيئًا لَكَ الشَّهَادَةُ، فَقَالَ: إِنِّي وَاللهِ مَا قَاتَلْتُ يَا أَبَا عَمْروٍ عَلَى دِينٍ، مَا قَاتَلْتُ إِلا عَلَى الْحِفَاظِ، أَنْ تَسِيرَ قُرَيْشٌ إِلَيْنَا حَتَّى تَطَأ سَعَفَنَا، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ? فَقَالَ: «مِنْ أَهْلِ النَّارِ، إِنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُل الْفَاجِرُ» .

ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ أَخُو طَلْحَةَ عُثْمَانُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ فَقَتَلَهُ، فَأَخَذَ اللِّوَاءَ أَخُوهُمَا سَعِيدٌ، فَرَمَاهُ سَعْدُ بن أَبِي وَقَّاصٍ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ فَتَنَاوَبَ اللِّوَاءَ بَعْدَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَوْلادِ طَلْحَةَ، وَكُلُّهُمْ يُقْتَلُونَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَحَمَلَ اللِّوَاءُ غُلامَ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ صُوءَابُ، فَقُتِلَ، وَسَقَطَ اللِّوَاءُ عَلَى الأَرْضِ، فَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ بِذَلِكَ أَخْذًا شَدِيدًا وَانْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُمْ، وَانْفَرَجَتْ صُفُوفُهُمْ فَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ حَمْلَةً صَادِقَةً، وَأَمْنَعُوا فِيهِمْ ضَرْبًا بِالسُّيُوفِ، وَطَعْنًا بِالرِّمَاحِ، وَرَمْيًا بِالسِّهَامِ، فَانْكَشَفُوا وَوَلَّوْا الأَدْبَارِ وَجَعَلَتْ نِسَاؤُهُمْ تَصِيحُ وَتُوَلْوِلُ، وَأَخَذْنَ فِي الْهَرَبِ وَالْفِرَارِ، مِنْ الأَسْرِ مُشَمِّرَاتٍ عَنْ أَسَياقِهِنَّ، وَخَلاخِيلِهِنَّ، وَتَتَبَّعَ الْمُسْلِمُونَ أَعْدَاءَهُمْ يَضَعُونَ فِيهِمْ السِّلاحَ حَيْثُ شَاءُوا، حَتَّى أَبْعَدُوا عَن مُعَسْكَرِهِمْ.

اللَّهُمَّ إِنَّ نَوَاصِينَا بِيَدِيكَ، وَأُمُورُنَا تَرْجعُ إِلَيْكَ، وَأَحْوَالِنَا لا تَخْفَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015