وبَاءَ الآمِرُوُنَ بِكُلَّ عُرْفٍ ... فَمَا عَنْ مُنكَرٍ في الناس نَاهِ
فَصَارَ الحُرُ لِلْمَمْلوَكِ عبداً ... فَمَا لِلْحُرَّ مِنْ قَدْرٍ وجَاهِ
فَهَذَا شُغْلُهُ طَمَعٌ وجَمْعٌ ... وَهَذا غَافِلٌ سَكْرانُ لَاهِ
لأَنّ التَّسَاهُلَ بِهَذِهِ الأُمُورِ يَفْتَحُ لِلنُّفُوسِ الخَبِيْثَةِ أبْوَابَ المعاصِىْ فَتَنَفُذُ إلى مَا تَشْتَهِي مِنْ خَبَائِثَ وَتَرى مَوْقِعَ ذلِكَ سَهْلاً عَلى النَّاسِ فَتَنْدَفِعُ إلي كلَّ مَا يَحْلُو لَها مَهْمَا كَانَ عَرِيقاً في بَابِ الرَّذِيْلةِ آمِنَةً مِنْ تَغَيُّرِ وَجْهٍ أوْ انْقِبَاضِ قَلْبٍِ لمَا تَفْعَلُ.
وإِذاً تَنْتَعِشُ الرَذِيلَةُ وَتَشْتَدُّ وَتَزْدَادُ وَيَقْوَي أَهْلُهَا وَهُم الفَسَقَةُ لأنَّ أَهْلَ الجَهْرِ بِالفَاحِشَةِ يَكُونُونَ قُدْوَةً سَيَّئَةً لِغَيْرِهِمْ. وَالنُّفُوسُ مِنْ طَبِيْعَتِهَا التَّقْلِيْدُ وَالمُحَاكَاةِ لِمَا تَرى وتسْمَعُ خُصُوصاً إِذا كَانَ مَا تَراهُ أو تَسْمَعُهُ لَذَّةً وَاطْلاَقَاً.
وَإذَا كَثُرَ جَيْشُ الرَّذِيْلَةِ في قُوَّةِ قَلَّ جَيْشُ الفَضِيْلَةِ في ضَعْفٍ، وَلا تَسْتَبْعِدَ أنْ يَتَغَلَّبَ جَيْشُ الرَّذِيْلةِ فَيُبِيْدَ جَيْشُ الفَضِيْلَةِ أوْ يَجْعَلَه في حُكْمِ المبُادِ وإنْ كَانَ لا يَزالُ بَاقٍ مِنْهُ أَفْرَادٌ.
وإذَا كانَ غَضِبَ اللهُ جَلَّ وَعَلا عَلى عِبَادِهِ فَعَاقَبَهُمْ في الدُّنيَا قَبْلَ الآخِرَةِ ولا يَنْجُوْ مِنْ بَطْشِ الله وَعَذابِهِ إلا مَنْ كَانَ في جانِبِ دِيْنهِ يَتَألَّّمُ لَهُ وَيَغضبُ عَلى مَخالِفيْهِ آمِراً لَهُمْ وَنَاهِياَ مَهْمَا نَالَهُ في سَبِيْلِ ذَلِكَ مِنْ إِيْذَاءٍ.
عَلَّمَنَا ذَلِكَ رَبُّنَا بِقَولِهِ {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} ، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} .